النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: من خطف الأستاذ ؟

  1. #1
    التسجيل
    27-08-2005
    المشاركات
    30

    من خطف الأستاذ ؟

    ( قصة واقعية حدثت لصديقي)

    كانت الشمس ترسل خيوطا ذهبية تطوّق بها عنق ( طرابلس) بشال من البهاء و الدفء اللذيذ ؛ و الربيع يعزف لحن الجمال بينما كان الأستاذ جميل يتهادى في مشيته متمايلا مع النسائم الرخيّة مدندنا أغنية الربيع و كان متجها إلى المدرسة التي يعلّم فيها الأجيال.

    كان مجرّد استخدام السيارة - في هذا الجو العابق بالسحر و السعادة – ضربا من الغشم و الغباء . إذ كيف يترك من يكتب الشعر كل هذا النعيم و يخسر هذه النزهة الصباحية الرائعة ؟

    شردت به الأفكار وهو يعقد المقارنات بين هذه المدينة و بين مسقط رأسه ( غزّة ) فلم يجد كبير فرق بينهما فالأرض متصلة و الهواء واحد. اللغة واحدة و العادات متشابهة رغم اختلاف المأساة , أجفل الأستاذ فجأة حين توقّفت بمحاذاته سيارة فارهة ,بداخلها ثلاث شابات في صيف العمر .

    أخرجت إحداهن رأسها من النافذة قائلة :

    - صباح الخير يا أستاذ .

    - صباح النور .

    - نحن غريبات عن هذه المدينة .أيمكنك أن ترشدنا إلى مزرعة الحاج الهادي ؟ قيل لنا إنها قريبة من هذا المكان.

    - بصراحة أنا غريب مثلكن أيضا و لكنني سمعت الكثير عن طيب هوائها و مائها و ثمرها المختلف الأشكال و الألوان و هي بهذا الاتجاه.

    - ما رأيك لو تتفضل بالركوب معنا كي تدلّنا عليها و من ثم نعيدك إلى حيث تشاء؟

    فكّر الأستاذ لحظة و نظر إلى ساعة معصمه فوجد أن في الوقت متسعا لإسداء خدمة بسيطة لشابات يطلبن العون ,كيف لا وهو الشاب اليعربي الشهم الخدوم , فقال :

    - حسنا ولكن بسرعة حتى لا أتأخر عن المدرسة .

    - طبعا , طبعا , تفضّل هنا مكاني إلى جانب السائقة .

    و نزلت الشابة بسرعة رياضية لافتة جعلت الأستاذ يتعجب لمهارتها الحركية الأشبه بحركات شابّ متباهٍ بقوّته, و ركبت هي في الخلف متضاحكة مع رفيقتها لجلوس الأستاذ بأدب جمّ مسمّرا نظره إلى الأمام و كأنه صنم .

    كان الخجل يعصف بكيانه و الحياء يحمّر وجنتيه مضيفا إلى جمال وجهه لمسة من السحر الرجولي .

    تحركت السيارة حسب إشارة الأستاذ نحو اليمين ,فقالت السائقة :

    - هذه طريق ضيقة تكثر فيها المطبات و الحفر ،فلنختر الطريق التي تليها .

    - و لكن المزرعة من هنا يا آنسة .

    - كل الطرق تؤدي إلى روما فلا تقلق .

    زادت سرعة السيارة , فزعق الأستاذ: توقّفي هنا إلى أين تذهبين؟

    و كانت هذه آخر جملة ينطق بها إذ فاجأته الجالسة في الخلف بضربة على قفا رأسه جعلته يفقد الوعي , و قبل أن يتدلى رأسه إلى الأمام,أعادته بسرعة إلى الخلف ,ثم حرّكت ظهر الكرسي إلى الوراء حتى بدا الأستاذ كالنائم طوع أمره.

    تحسست الضاربة مكان الضربة من رأس الأستاذ فلم تجد أثرا للدماء , فحمدت الله , و أمرت صديقتها بالإسراع في القيادة .

    ابتلعت الحقول و المزارع المحيطة بطرابلس السيارة بمن فيها , و لم يصحُ الأستاذ إلا بعد أن تسلل إلى أنفه عطر أخّاذ ,فانتفض مذعورا يصيح : أين أنا ؟

    - لا تخف أنت في أمان .

    - ماذا تُردن مني ؟

    - أولا نحن لسنا متوحشات كي نؤذيك , و لسنا مجرمات قاطعات طريق . مرادنا معروف فلا تتغابَ, و كن لائقا حذرا في التعامل معنا وإلا أفرغت رصاصات هذا المسدس في رأسك .

    - حسنا و ما المطلوب مني ؟

    - أولا : أن تخلع ثيابك أمامنا قطعة قطعة و يمكنك الاحتفاظ بقطعة واحدة ثم تبترد بهذا الماء خلف الخيمة كي تزيل عنك الخوف و القلق و ما نزّ من جلدك من عرق الرعب . ثانيا : أن تعود إلى هنا متهاديا تهادي طرزان في الغابة , و إياك أن تفكّر في الهرب .

    لم يجد الأستاذ بُدًا من تنفيذ الأمر ,فأدار وجهه إلى الخلف و شرع يفكّ أزرار القميص ، فانسلّت إليه إحداهن و غرزت أناملها في شعره الأسود الناعم و أطبقت بشفتيها على رقبته في قبلة نهمة , فأزاحها الأستاذ بعنف رغم سريان قشعريرة لذيذة في عروقه , و راح يكمل خلع ثيابه بعصبية لافتة أضحكت الصبايا ,ما أغاظ الأستاذ و ذكّره بأنه هو الرجل ,فطلّق الحياء و صار يرمي القطعة المخلوعة عليهن في ثقة مشفوعة ببسمة اللامبالاة,ووقف شامخا كالطود,مفتول العضلات ,غزير الشعر ,ثم خرج من بينهن حاملا جالون الماء بِيَد و علبة الشامبو بالأخرى بينما رمى المنشفة على كتفه و اختفى خلف الخيمة ظانا أنه اختفى عن الأنظار .

    لم يكن الحمّام مكشوفا إلا إلى السماء فقد نصبت الصبايا ثلاثة أعمدة خشبية قرب الخيمة ولففنها بقطعة من النايلون فيما يشبه الجدران.

    و لم يكن الأستاذ في وضع يسمح له بمناقشة سبب وجود بعض الثقوب الواسعة في جسد الخيمة .

    كما لم يكن غافلا عما يحدث داخل الخيمة و لا هو أصمّ حتى يتغاضى عن قهقهات الصبايا و تعليقاتهن التي كانت ترنّ في أذنيه ,و لكنه كان يفكر في المصير , فالهرب مستحيل لأن نتيجته محتومة : الموت .

    و البقاء ثمنه الرضوخ للمطلب الحرام و ربما يعقبه الموت أيضا .إذا هو أمام أمرين أحلاهما مرّ. فماذا يفعل ؟

    لم يطل به التفكير و قد قطعت إحداهن حبل أفكاره قائلة :" نعلم سبب شرودك و إطالتك فترة الاستحمام ، ليس أمامك من مهرب إلا إلينا . عندها قرر الأستاذ أن يرضخ للأمر و أن يتظاهر بأنه مسرور لهذا الاختطاف اللذيذ , و أنه مستعد لاستقبالهن في بيته لاحقا أو للذهاب معهن إلى أقاصي المعمورة و سيغلّظ لهن الأيمان بأنه أسعد رجل في العالم و لن يتخلى عن هذا النعيم المجاني .

    فأطل برأسه من شق الخيمة و خاطبهن بهدوء: و هل أنا حمار حتى أفشي سرّ سعادتي .لا تقلقن لسوف أنسيكن أسماءكن.

    ثم أنهى الاغتسال على عجل و عاد لابسا ورقة التوت يُقدّم رِجلا و يؤخّر أخرى,يتعثّر بحيائه تارة و بكل ما يقابله تارة أخرى .

    و ما إن دخل عليهن حتى وجد نفسه مطوّقا بأنفاسهن اللاهبة .وكان ما كان مما لا يقال ومما يسرح معه الخيال إلى مدى أبعد من واقع الحال .





    عندما قُرع جرس المدرسة ،اصطفّ التلاميذ و لاحظ الجميع عدم تواجد الأستاذ جميل أمام تلاميذه في الطابور فقال كلّ في سرّه: الغائب عذره معه .

    و لكن المدير مال إليّ و هو يعلم بما يربطني بالأستاذ جميل من روابط الصداقة و المحبة وهمس في أذني : هل أخبرك أنه سيغيب ؟

    فقلت : لا، فأضاف المدير قائلا: بما أنه لا يملك هاتفا كي نتصل به إذا فلا بد أن يتصل هو بنا بعد قليل فلننتظر ساعة أو ساعتين و بعدها سأزعجك بالذهاب إلى بيته لتفقّده.

    تلاعبَت بي الوساوس ورُحت أضرب أخماسا بأسداس و لم أكن مُخلصا في شرح درس الحصة الأولى لتلاميذي الذين أثقلوا سمعي بسؤالهم عن سبب تغيّب الأستاذ جميل و أنا أعلم علم اليقين أنهم يتمنّون في سرّهم أن تطول فترة غيابه وغيابي أيضا.

    انقضت الحصة الأولى و لم أطق صبرا فاستأذنت المدير و أسرعت إلى بيت صديقي جميل و ذهلت لرؤية سيارته متوقفة أمام باب بيته. اتجهت مباشرة إلى الباب أقرعه .طرقته في البدء طرقة خفيفة حتى لا أزعج صديقي إن كان نائما أو مريضا , و عندما لم أسمع جوابا رحت أزيد في وتيرة الطَرق قوة و عنفا ، فلم يجبني أحد .

    أُسقط في يدي فاتكأت على الجدار و تركت دموعي تنهمر على وجنتي و قد قادتني تحليلاتي إلى أن صديقي قد فارق الحياة .

    لم يكن قسم الشرطة بعيدا عن المكان ,فقصدته بسرعة و أعلمت الشرطة بالأمر فقاموا من فورهم إلى دار صديقي و خلعوا الباب.

    كنت أول الداخلين فانطلقت كالسهم أفتح الأبواب بحثا عن صديقي .و كم كانت فرحتي عظيمة عندما لم أجده في البيت .

    تنهّد الجميع حامدين الله عز و جل و خرجنا عائدين إلى قسم الشرطة لتقديم بلاغ رسمي كي تتكفّل القوى الأمنية بالبحث عنه .

    عدت إلى المدرسة ساهما كالممسوس أقلّب الأمر على وجوهه و عزمت على أن أبحث عنه عند كل من له علاقة به رغم أنني متأكد من أنه لم يعتد الغياب دون إعلامي على الأقلّ,فإذا انقضى أسبوع ولم تعثر الشرطة عليه فسأضطرّ إلى الاتصال بأهله في الأردن .

    لم أذق طعم الحياة في اليوم الأول و قد شددت الرحال إلى كل من يعرف صديقي ,حتى أن المعارف و الأصحاب و الجيران ساعدوني في البحث , و لكن دون جدوى .

    و غني عن البيان أنني لم أطبق جفوني لا ليلا ولا نهارا و أنني انقلبت إلى إنسان آخر مع عائلتي , أثور لأتفه الأسباب .

    انقضت خمسة أيام و أنا أداوم في المدرسة قبل الظهر و أمام مركز الشرطة باقي النهار ، فإذا جنّ الليل عدت إلى عائلتي محبطا مكفهرّ الوجه و القسمات .

    و في ليلة اليوم السادس و بينما كنت مستلقيا على الأريكة شاردا في أمر جميل قُرع الباب قرعات إيقاعية لا يستخدمها أحد سوى جميل , فقفزت كالملسوع قفزتين أوصلتاني إلى الباب ... وكان هو . نعم .. هو .

    عانقته و كأنني أعانق طفلي العائد من غيبوبة الموت , و اختلطت دموعنا , فلم أعد أدري نوع الدموع و لا كميتها و لا ما فعله أولادي و هم يعانقون صديقي فقد انشغلتُ بتفحّصه عن بُعد ,فوجدت أنه قد أختُـزل إلى الثلثين وأن شحوبا لافتا يعلو وجهه وأن عينيه الجميلتين قد غارتا الى الخلف و لكن بسمته العذوب ظلت تتربع على محيّاه .وقبل أن يجلس بادرني قائلا : أَعلمُ أنّ في جُعبتك عشرات الأسئلة,أولها أين كنت ؟ و حتى أريحك و أريح عائلتك أقول باختصار خُطفت خطفا عجيبا و عدت بالسلامة , و لسوف أطلعك على التفاصيل و نحن في طريقنا إلى مركز الشرطة . و راح يخبرني القصة من أولها و أنا فاغر فمي غير مصدّق ما يقول و رحنا نتباحث في الأمر :

    هل يبلغ الشرطة بالتفاصيل أم يضلّلهم و يختلق قصة أخرى لتبرير غيابه و على الفور أيّدت الرأي الأول .

    فقال: حتى وإن ذكرت لك مركز أهل الصبايا و فاعليتهم في البلد . فقلت : حتى و لو .

    فقال: رأسي تحت المقصلة لا رأسك يا حبيبي . سأقول للشرطة ما وعدتُ به الصبايا : كنت في زيارة لأحد أقاربي في مدينة بعيدة .

    فسخرت منه قائلا : وهل الشرطة بهذه السذاجة كي تصدق كذبتك ؟ إن كنتَ مُهددا من قبل الصبايا فعلا فقل للشرطة ما يلي :

    خُطفت من قبل ثلاث شابات ينادين بعضهن بأسماء مستعارة

    لا هُنّ جميلات و لا قبيحات يعني وسط .

    لا طويلات و لا قصيرات يعني وسط .

    لا شقراوات و لا سمراوات يعني وسط .

    لا سمينات و لا نحيلات يعني وسط .

    لا فقيرات و لا غنيات يعني وسط .

    مكان الخطف بين الحقول في مكان بعيد جدا من هنا , لم أتعرّف إليه ذهابا و قد ضربت على قفا رأسي , و لم أتعرّف إليه في طريق الإياب و قد أُسكرت حتى الثمالة .أما السيارة – فأنا غشيم بالسيارات يا سيدي – و حتى لو كنت فهلويا جدا فأعتقد أنها سيارة ( جيب) لاضخم ولا صغير , لا أبيض و لا رمادي يعني محيّر , لوحته الرقمية منزوعة عنه .

    و عندها ستفتش الشرطة عن إبرة في البحر و ستسجّل الحادثة ضد مجهول .

    و هكذا كان و تبسّم أفراد الشرطة و هم يستمعون إلى أكاذيب صديقي و سجّلوا القضية ضد مجهول بعد أن تمنّوا جميعا أن يكونوا في عداد المخطوفين , و لم يناقشوا الأمر وقد أدركوا أن كشف الفاعلات يعني خراب بيوتهم قبل بيت صديقي ، و حُفظت القضية و حَفظ الأستاذ جميل مكان اللقاء الحميم و حفظ كل تفاصيل الأيام العسلية و صار يستغني عن ركوب السيارة عامدا متعمدا علّه يُخطف من جديد و لكن خاب ظنّه كما خاب ظنّي و ظنّ كلّ من استغنى عن سيارته في تلك المدينة وراح يتبختر في الشارع الجميل الذي أطلق عليه الشبّان اسم : شارع الأستاذ جميل .

    سعيد .أ. ن

    SAID6610@HOTMAIL.COM


  2. #2
    التسجيل
    03-09-2005
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    27

    Question مشاركة: من خطف الأستاذ ؟

    السلام عليكم

    مشكوور كتير على القصة مع إنها لا تعطي عبرة للقارئ ولكنها غامضة بعض الشئ أيضا ولكنها ممتعة

  3. #3
    التسجيل
    27-08-2005
    المشاركات
    30

    مشاركة: من خطف الأستاذ ؟

    عزيزي جيل فلسطين :

    لقد سررت بردّك وأحترم وجهة نظرك . ليس من شروط القصة الناجحة أن تعطي عبرة أو موعظة ورغم ذلك فالعبر الاجتماعية واضحة في القصة . أرجو المراسلة : said6610@hotmail.com

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •