المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية الذكري 20 لاستشهاد المناضل الليبي جبريل الدينالي



ليبي جدا
07-04-2005, 01:59 PM
في يوم السبت السادس من ابريل من عام 1985 وفي وسط مدينة بون العاصمة الألمانية آنذاك إنطلق وابل من الرصاص ومن الخلف صوب إحدى قامات النضال الوطني الليبي بألمانيا المرحوم جبريل عبدالرازق الدينالي ليسقط مضرجاً بدمائه ماسكاً وبحرارةٍ بيديه الطاهرتين بمناشير لذكرى السابع من ابريل الحزينة.
http://www.libya-nfsl.org/Images/gebril_denali2.jpg
بتلك الرصاصات الآثمة فقدت ليبيا إبناَ باراً أحبها بكل جوارحه، ووهب لها حياته من أجل أن ترى النور يوماَ. وفقد رفاقه بإستشهادهِ أخاً عزيزاً وسنداً لا تهز معنوياته الكوارث والمحن ولا يعرف لقلبه اليأس طريقاَ. لقد لفظ أنفاسه الأخيرة في سبيلِ الحق، وفي سبيلِ دحر الرعب والخوف والذي إستولى على قلوب شعبنا، والحزن والألم الذي عم ديارنا.

نبدة عن حياة المناضل الشهيد جبريل الدينالي:


ولد الشهيد بقرية برسس والتي تقع ما بين بنغازي والجبل الأخضر عام 1954 وتعلم بمدارسها وعمل لفترة بإدارة الجوازات والهجرة ببنغازي، ثم إنتقل الى العمل بشركة البريقة لتسويق النفط. وأثناء عمله بإدارة الجوازات ساعد المئات بالهروب من أدوات القمع الليبية، وعندما أكتشفَ أمرهُ، إختبىء بإحدى البواخر ليغادر ليبيا الحبيبة متجهاً الى أوروبا، وليس معه من زاد ولا مال إلا النادر القليل.

وحال وصوله الى ألمانيا باشر وبجهدهِ الذاتي بنشر الحقائق المؤلمة والتي يعيشها شعبنا، حيث لم يترك وسيلة ديمقراطية متاحة إلا وسلكها. فكانت له إتصالات كثيفة مع الصحافة والمنظمات والأحزاب، حتى صار إسمه خلال فترة قصيرة مرادفا لإسم ليبيا، وبذلك يكون الشهيد أول ليبي يُجاهر بمعارضته للنظام بألمانيا. وفي أوساط الليبيين الذين كانوا يترددون للعلاج، كان الشهيد الإبن البار والأخ الحنون فلم يبخل عليهم بمجهود لمساعدتهم في حين كانوا يواجهون الصد والغطرسة من موظفي السفارة.


كان رحمه الله تعالى يتردد على أماكن تجمع الليبيين ويزودهم بأدبيات المعارضة، وحين يرى في وسطهم عملاء المخابرات كان يقراء عليهم وبصوت مدوي بعض محتويات تلك المنشورات داعياً مستمعيه الى عدم التملق للظالم والإيمان بالله وحده والثقة الكاملة بأن الحرية يانعة ويمكن قطافها في الوقت الذي يملك فيه الشعب إرادته .

وكما هو معروف فأشد ما يزعج الباطل كلمة حق وإيمان راسخ، فقام النظام الديكتاتوري بدعم سفارته بعناصر متوحشة من مخابراته حيث وصل عددهم المائة والثمانون عنصرا،ولم يدَخر النظام أية محاولة إلا وسلكها من أجل إسكات هذا الإنسان الحر المناضل، فقام أعوانه يوم 26 نوفمبر 1982 بإختطافه ومحاولة جرجرته الى داخل المكتب الصحي إلا أن تدخل المارة الألمان حال دون نجاح ذلك.

وفي إحدى الأيام تظاهر شخص ليبي مجهول الهوية بمصافحة المرحوم جبريل عند لقائه ماراً في إحدى الشوارع بمدينة بون ومن خلال المصافحة ناوله رصاصة في يدهِ.

وحاول سفير النظام آنذاك ووزير الثقافة الحالي المهدي إمبيرش تخويف الشهيد حيث أرسل له أحد الأشخاص يهدده فيها بالموت إن لم يتوقف عن نشاطه.

وفي عام 1984 أصدرت " محكمة الشعب" حكم الإعدام عليه وعلى ثمانية آخرين من رفاقة. وبناءًا على ذلك قدمت السلطات الليبية بعدة طلبات الى الحكومة الألمانية لتسليمه هو ورفاقه الى السلطات الليبية وتم ذلك عن طريق وزير الأمن الخارجي العقيد يونس بالقاسم.

إلا أن السلطات الالمانية رفضت الاستجابة لهذه الطلبات.

وقبيل إغتياله وبمطار فرنكفورت وأمام غرفة صعود الطائرة المتوجهة الى طرابلس وخلال معانقة المرحوم جبريل لوالدته الطاعنة في السن وتوديعها الوداع الأخير هاجمه أربعة من أعوان النظام حيث إنهالوا عليه وعلى والدته بالضرب والتي هبت وبكل شجاعة للدفاع عن إبنها. ولم يتدخل لإنقاذه وإنقاذ والدته المسنة من أيدي المعتدين إلا المسافرين الأجانب من الألمان والصينيين والهنود، وبشر آخرين من أجناس أخرى مختلفة والذين كانوا صدفة هناك. في حين طأطأ أهلنا وأبناء وطننا الذين كانوا بغرفة صعود الطائرة رؤوسهم خوفا من إنتقام النظام منهم عند وصولهم مطار طرابلس.

ونتيجة لذلك تعطلت الرحلة حيث أتت الشرطة الألمانية للتحري فتبين لها أن ثلاتة من المهاجمين يحملون جوازات سفر ديبلوماسية، أما المهاجم الرابع فلم يُخبر عليه الشهيد للشرطة رغم علمهِ بأنه يحمل جواز سفر عادي إحتراماً لوالدة المهاجم التي كانت برفقته وتجلس بجانبه، والتي كان عمرها قريب من عمر والدة المرحوم جبريل،

وتوجه الشهيد للمسافرين الليبيين الجالسين هناك وخاطب ضمائرهم وقال لهم ما معناه:

" ما معنى حياتكم والتي جئتم هنا لترميمها عن طريق العلاج عندما تموت النخوة والشهامة في نفوسكم، إذا كان مشهد ضرب إمراة مسنة من قبل أربعة أشخاص لا يحرك مشاعركم فلا تستغربوا إمعان النظام في إدلالكم لا تهمني حياتي فلقد وهبتها في سبيل ليبيا، ولكن الذي يؤلمني روح الخوف والإنهزام التي جعلت منكم دُمى لا إرادة لها" .


وفي السادس من ابريل ورغم إستفحال المرض الذي كان يعاني منه والذي كان يعيق حركته، أصر الشهيد على الخروج لتوزيع ما بقي عنده من مناشير بمناسبة السابع من ابريل وكان يعلم بوجود القتلة يتربصون به في كل مكان.

وبعد توزيع أغلب ما لديه من مناشير ذهب الى المسجد لصلاة العصر، وبعد خروجه من المسجد إنهال عليه الرصاص ليهز في ذلك اليوم الحزين مدينة بون بأكملها والتي ودعته بمسيرة احتجاج صامته نظمها حزب الخضر وحركة السلام، حيث مرت من أمام السفارة الليبية وشارك فيها أكثر من ألف شخص، وحتى هذه المشاعر الحزينه لم تلاقي إحترام أعوان النظام، فأمر امبيرش أعضاء السفارة والمخابرات بالخروج والصياح في حين ضل هو يتفرج من النافدة بالدور الثالث. وخلال المسيرة قامت مجموعة من عملاء المخابرات والتي يستحيل تصنيفها من فصيلة البشر بمهاجمة مجموعة من النساء الالمانيات المشاركات وقلب عربات أطفالهن وبمن فيها من أطفال رضع مما جعل المسيرة تتحول الى مظاهرة غضب منادية بعبارات مثل "اخرجوا ايها القتلة من المانيا، والموت للديكتاتورية في ليبيا"

وأثر ذلك قامت الشرطة بالقبض على خمسة عشرة من المهاجمين التابعين للسفارة. وفي تلك اللحظة حس الكثيرون من المشاركين في المسيرة ما يعانيه الشعب الليبي من ظلم وإجرام وكبت الحريات من خلال نظام العقيد الفذافي.

أما القاتل فقد كان يحمل جواز سفر ليبي بإسم مزور ومدعما بالمال ومزود بمسدس من داخل مبنى السفارة وكان بصحبته أثناء إرتكاب الجريمة المجرم مصباح التير. وقد قضت المحكمة على القاتل بالسجن المؤبد. وبعد قضاء عام في السجن وإعلامه من قبل ممثلي النظام بأنهم ليس في إستطاعتهم عمل شيء كما وعدوه من أجل اخراجه فقد السيطرة على اعصابه وقام بتحطيم محتويات زنزانته مرتين، وأباح بأسماء كل شخصيات النظام المتورطة ببرنامج التصفية الجسدية.

أما مصباح التير فقد إختفى من مكان الجريمة. وبعد عشر سنوات تم إستدراجه من قبل المخابرات الألمانية من مالطا لثبوت تورطه في تفجير لابيل ولينفضح أمرهُ حيث ثبتَ بأنه عميلٌ مزدوج لصالح المخابرات الليبية والأمريكية، وقد حُكم عليه بالسجن إثنى عشرة عاما.

رحمك الله تعالى ياشهيدنا البطل وستبقى في ذاكرتي رمزاً شامخاً يُجسد أسمى معاني النضال والعزيمة والإيمان.
إنني لا زلت أتذكر جيداً محتوى مكالماتُكَ الأربعة لي بالليلة قبل إغتيالك والتي آخرها كانت عند الساعة الثانية ليلاً.
من أجلك ياجبريل ومن أجل ليبيا ومن أجل كل شهدائنا البررة ومن أجل كل المعذبين بأرضنا المنكوبة وبعون الله لن ننسى، ولن ننكس، ولن نيأس.