المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رؤيـــا .. قصة قصيرة



شوقٌ إلى الأقصى
30-07-2006, 11:24 AM
رؤيا
قصة قصيرة




الشمس في وسط السماء ..
تسلط أشعتها اللافحة على كل من تحدّاها وخرج..
وقد أذن مؤذن لصلاة الظهر ..
فاجتمع عدد لا بأس به من الناس يلبون النداء ، ولم يمنع بعضهم هذا القيظ الشديد من الصلاة على حُصرٍ في الشارع ..
وبعد إتمام الصلاة ، نادى الإمام بالناس أن يصلوا صلاة الغائب .. فاستجاب معظمهم وصلوها معه ..
بعدها خرج حشدٌ كبيرٌ من الناسِ يحملون نعشًا فوق اكتافهم .. يمشون في صمتٍ مميت حيث لا يُسمع لهم سوى صوتِ نعولهم ، يتقدمهم رجلٍ لم يبدُ عليه شئ من إمارات الكبر سوى شعره وقد خط فيه الشيب بعض خطوط،بجاوره شاب صغير يبدو من تقارب الملامح بينهما أنه ابنه ..
وكلاهما تفيض الدموع من عينيه دون أن يسمع لهما صوتًا للبكاءِ كأنما يحاولان الظهور بجلد ..
وأخيرًا وصلوا إلى المقابر .. فأخرجوا من النعش جسدًا ملتفًا في كفن ،وضعوه في لحده وأهالوا عليه التراب وأعينهم تفيضُ من الدمع .. ودّعوه بالبكاء والنحيب .. ثم رحلوا !


استيقظت " منى " فزعة بسبب هذه الرؤية ، استعاذت بالله من الشيطان ثم حاولت الخلود إلى النومِ ثانيةً .. إلا أن صورة الجنازة والمقابر لم تفارق عينيها .. فطردت منها النوم ..
وتمرُ ساعات اليوم بسرعة وتنسى منى أمر الرؤيا وكأن شيئًا لم يُحدث ..
حتى يأتي المساء وتخلد إلى فراشها وتنام ، وتعاودها الرؤيا مرة أخرى !
ولم تكن الأخيرة ، فلمّا رأتها للمرة الثالثة قامت من نومها وجسدها ينتفض بشدة كما الممسوس من الجن ، وبدأت في بكاءٍ شديد ، حتى هرولت إليها أمها لمّا سمِعت صوت البكاء ..
قصّت عليها منى رؤياها وقالت أنها فزعة .. وتشعر أن أجلها قد اقترب ،
إلا أن أمها بابتسامتها الرقيقة التي تفيضُ حنانًا ، وبكلامها الهادئ المتزن استطاعت أن تمحو القلق من ذهن ابنتها ، وقرأت عليها قرآنًا بصوتها العذب الرخيم حتى عادت للنوم مرة أخرى في هدوءٍ واستقرار ..


الساعة الثانية عشرة ظهرًا اليوم التالي ..
" أنسيتِ يا أمي موعدي مع ليلى ؟ .. لمَِ لَمْ توقظيني ؟ "
قالتها منى وهي في عجالة وقد ارتدت ملابسها كاملةً ، بعدها شربت كوبًا من عصير البرتقال البارد علّه يطفئ شيئًا من حرارةِ هذا اليوم .. ثم خرجت ..
وما هي إلا دقائق معدودة حتى رأت منى صديقتها ليلى تقف في المكانِ الذي اتفقتا أن يتقابلا فيه ، وقد وجهت إليها ليلى نظرة عتابٍ من بعيد ..
أرادت منى أن تعبر الطريق سريعًا لصديقتها ، وهي تنظر إليها وتبتسم ، ولم تنتبه لتلك الحافلة التي تمشي بسرعة أيضًا !

بعد ذلك بأقل من نصف الساعة ، كانت أسرة منى كلها في المستشفى ، ولمّا رأوا صديقة ابنتهم سألوها عما جرى لمنى وما هي حالتها الآن .. إلا أن البكاء حال بينها وبين الردّ .
حينها تذكرت الأم حديثَ ابنتها معها ليلة البارحة ، وظنت أن ما حدث ما هو إلا تحقيقٌ لرؤياها .. كادت أن تقفد وعيُها لولا أن سمعت صوت الطبيب يُلقي عليهم السلام .. فانتبهت إليه كما انتبه إليه الجميع ..
وصف لهم الطبيب كيف كانت الحادثة شديدة ، ولم يخفِ عليهم أن احتمال نجاة ابنتهم من الناحيّة الطبيّة بات ضعيفًا ، ولكن الله لو أراد لها النجاة لنجت .. أو ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا ..

عاد الأب ومعه الابن إلى المنزل والقلق يكاد يدمرهم ، ولولا أن حجرة ابنتهم لا تسع إلا لمرافقٍ واحدٍ ما كانوا ليفارقوها ..

شوقٌ إلى الأقصى
30-07-2006, 11:25 AM
كان الليل في المستشفى شديد الهدوء ، بدرجة تُشعر بالوحشة ..



وفي حجرة منى يسود الظلام ، إلا من مصباحٍ يضئ إضاءة خافتة جدًا ،يجعل الأم بالكاد تستطيع أن تنظر إلى جهازي التنفس ورسم القلب الذين لم تبعد عيناها عنهما ولو للحظة تراقب ما يحدث لابنتها ..




وفي اليومِ التالي ..
الشمس في وسط السماء ..
تسلط أشعتها اللافحة على كل من تحدّاها وخرج
وقد أذن مؤذن لصلاة الظهر ..
فاجتمع عدد لا بأس به من الناس يلبون النداء ، ولم يمنعهم هذا القيظ الشديد من الصلاة في الشارع ..
وبعد إتمام الصلاة ، نادى الإمام بالناس أن يصلوا صلاة الغائب .. فاستجابوا وصلوها معه ..
بعدها خرج حشد كبير من الناس يحملون نعشًا فوق اكتافهم .. يمشون في صمتٍ مميت حيث لا يُسمع لهم سوى صوتِ نعولهم ، يتقدمهم رجلٍ لم يبدُ عليه شئ من إمارات الكبر سوى شعره وقد خط فيهِ الشيبُ بعض خطوطٍ،بجاوره شاب صغير يبدو من تقارب الملامح بينهما أنه ابنه ..
وكلاهما تفيض الدموع من عينيه دون أن يسمع لهما صوتًا للبكاءِ كأنما يحاولان الظهور بجلد ..
وأخيرًا وصلوا إلى المقابر .. أخرجوا من النعش جسدًا ملتفًا في كفن ،وضعوه في لحده وأهالوا عليه التراب وأعينهم تفيضُ من الدمع .. ودّعوه بالبكاء والنحيب .. ثم رحلوا !
ولكن مهلًا ..
جسدَ منْ ؟
لم يكن .. سوى جسد الأم !
التي ماتت بسكتة قلبيّة في الصباح ..
فكان تحقيقًا لرؤية ابنتها ..
أما منى .. فقد استعادت وعيُّها في اليوم التالي لوفاة أمها .. وكُتبت لها النجاة !



تمت

star150m
30-07-2006, 11:17 PM
سبحان الله هذا اللي اقدر اقوله


شكرا على القصه هاجرحلمي :)

جِهَاد و كَفَى
04-08-2006, 11:55 AM
أهلًا عزيزتي هاجر ..

جيد جدًا طرحك القصصي ها هنا .. ما شاء الله لكِ خيط قصصي ممتد بسلاسة و قوة أيضًا ..

أسجل إعجابي بها .. و أرقبُ منكِ مزيدًا

فيض تحية

شوقٌ إلى الأقصى
13-08-2006, 07:13 AM
star150m ، جهاد وكفى ..
مشكورين أخوتي على مروركما الطيّب ..
أنرتما الصفحة :)

Toxic Rain
13-08-2006, 03:44 PM
قصة أكثر من رائعة و تشكرين عليها

بصراحة كنت أظن منى بتموت لكن ماتت الأمـ

أسلوب جميل و ننتظر المزيد منك

و شكراً

رفعت خالد
11-02-2007, 01:02 AM
بسم الله الرحمان الرحيم..




أحسنت أختي في اختيار موضوع القصة كما وُفّقت في صياغتها بأسلوب بديع، مثير..



و مما لا شك فيه أن القصة لا تخلو من العبرة الحسنة و الموعظة القيمة.. و قد ذكرتني بحقيقة نعلمها كلنا و لكننا نطمرها في أذهانها و نفر من شبحها كلما تراءى لنا..


الموت آتي لا ريب.. و هو يحصد الأرواح، واحدة بواحدة.. لكن !.. من الروح التالية ؟؟..


و بمناسبة ذكر هادم اللذات.. أحب أن أوقع ردي هنا بأبيات قصيرة..




كلٌّ يسعى إلى مسعاه
غير عابئ بوعيد الموت الشديد
لا يذكرها إذا تكلم و هي لا تنساه
لا يراها قادمة تجري من بعيد
تصرخ و تعوي أنها حتما ستلقاه
و ستفتت عظامه و لو كانت من حديد

Exodia
13-02-2007, 01:14 AM
السلام عليكم

قصة رائعه أختي شوق إلى الأقصى

أسلوب جميل ورائع ^_^

بانتظار جديدك أختي

خالص تحياتي