ابراهيم الشعلان
16-08-2009, 08:30 AM
من يتلبس بالكفر هو الكافر، والكافر هو: »من لزم الكفر والعصيان بعد الطاعة والإيمان...
والكفر خلاف الإيمان ١) « ) ويقال: »كفر الرجل كفراً وكفراناً: لم يؤمن بالوحدانية، أو النبوة أو
الشريعة، أو بثلاثتها...، والكافر من لا يؤمن بالله ٢) « )، وعلى هذا فالكافر يطلق على من كان
على محجة الإيمان، ثم تنكب عن تلك المحجة، أو هو من لم يؤمن أصلاً، وذلك شريطة أن تكون
رسالة الإيمان بالله قد وصلته، أما من لم تصله تلك الرسالة، أو يتعلق بها بسبب، فإن الصواب
ألا يطلق عليه لفظ كافر، إذ الكفر ضد الإيمان، فلا يوصف أحد بما هو ضد الإيمان، بينما الإيمان
لم يصله أصلاً أو يدخل قلبه.
ومن أجل ذلك وتأييداً له، فإن هناك عدداً من آيات القرآن تصف بعض الناس بالكفر، ولكنها
تؤكد أن هناك إيماناً قد دخل القلب، أي أنه لا كفر حادث وراهن، إلا بعد إيمان سابق وسالف، ومن
تلك الآيات قوله تعالى: »يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوهم أكفرتم بعد
إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون « (آل عمران: ١٠٦ ).
واقع الأمر، فإنه إن قيل : »كيف قال أكفرتم بعد إيمانكم وهم لم يكونوا مؤمنين؟ حكي عن أُبي
بن كعب أنه أراد به الإيمان يوم الميثاق، حين قال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. يقول: أكفرتم بعد
إيمانكم يوم الميثاق؟ وقال الحسن: هم المنافقون تكلموا بألسنتهم وأنكروا بقلوبهم، وعن عكرمة:
أنهم أهل الكتاب، آمنوا بأنبيائهم وبمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا
به، وقال قوم: هم من أهل قبلتنا وقال أبو أمامة: هم الخوارج، وقال قتادة: هم أهل البدع ٣) وسواء أكان هؤلاء الذين رجعوا بعد إيمانهم كفاراً، أولئك الذين كفروا بعد إيمانهم يوم الميثاق،
أم المنافقين، أم أهل الكتاب، أم الذين من أهل قبلتنا، أم الخوارج، أم أهل البدع، فإن الذي وقع فيه
كل هؤلاء هو كفر سبقه في الحقيقة إيمان، لذلك نعتوا بالكفر، فوصفهم الله به ورماهم بتلك
التهمة التي عاقبتها الخسار والبوار، ومن ثم يصدق القول: لا كفر إلا بعد إيمان.
ونظير ذلك التقرير بالكفر الذي سبقه إيمان نراه أيضاً، ونقرؤه كذلك في قوله تعالى: »من
كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم
غضب من الله ولهم عذاب عظيم « (النحل: ١٠٦ )، هذه الآية تستثني من الحكم الذي قررته،
وهو غضب الله وعذابه العظيم، الذي كفر مكرها، »عمار بن ياسر «، ولكنها في الوقت نفسه
تقرر ذلك الحكم السابق في حق أولئك الذين كفروا بعد إيمانهم، أي إنها لا تصف أحداً بالكفر
إلا بعد أن دخل الإيمان قلبه، أو َ مر عليه.
ومن تلك الآيات أيضاً قوله تعالى: »الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلي الظلمات أولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون « (البقرة: ٢٥٧ )، فالمقصود بالإخراج من النور إلى الظلمات، والإخراج من الظلمات
إلى النور هو من الكفر إلى الإيمان، ومن الإيمان إلي الكفر، وفيما تقرره هذه الآية من الإخراج من
النور إلى الظلمات، أي من الإيمان إلي الكفر تقرير لما ذكرناه قبل ذلك من أنه لا كفر إلا بعد إيمان،
إذ الكافرون إنما وليهم الشيطان يزين لهم ما هم فيه من الجهالات، والضلالات،، ويخرجهم
ويحيد بهم عن طريق الحق إلي الكفر والإفك، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
وعلى هذا المنوال أيضاً من الآيات التي لا تحكم بكفر إلا إذا سبق ذلك الكفر إيمان قوله تعالى:
»قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل
وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون « (العنكبوت: ٥٢ )، فالآية على هذه الشاكلة تجري مجري الآيات
السابقة من تأكيدها على الإيمان أولاً الذي يعقبه الكفر وي ُ ختم به، أي لا كفر إلا بعد إيمان، ومن
ثم أدرك هؤلاء الخسار والبوار.ومن الآيات التي يمكن أن تصب في الاتجاه نفسه »لا كفر إلا بعد إيمان «.، قوله تعالى: »قالوا بلى
قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن إنتم إلا في ضلال كبير « (الملك: ٩) فهؤلاء
الذين كفروا بربهم وهم في عذاب جهنم، كلما ألقي منهم فوج فيها يسألهم خزنتها إن كان
قد أتاهم من ينذرهم فيجيبون الخزنة أنهم أتاهم نذير لقنهم رسالة الهدى والإيمان، ولكنهم
كذبوه في رسالته وكفروا بها، بل وادعوا أن الله لم ينزل شيئاً، وأن هؤلاء النذر في ضلال كبير،
وما جاؤوا بحق.
وهكذا، فمن حصيلة ما سبق من تلك الآيات وأشباهها أنه لا يوسم أحد بكفر إلا إذا ذاق الإيمان
ونبتت بذرته في قلبه، ثم تنكر له، واقتلع تلك البذرة قبل أن تؤتي أكلها ويستقر ذلك الإيمان،
وكذلك لا يوصف أحد بكفر، طالما أن رسالة الإيمان لم تصله، ومن هنا كانت أهمية الدعوة إلى
الإسلام، بحيث لا يبقى مكان في الدنيا إلا وتدخله، فذلك أمانة في عنق كل مسلم، إذ من
اهتدى فلا بد من أن يهدي غيره.
١ - المنجد في اللغة والإعلام، ط ٣٦ ، دار الشروق ، بيروت، ١٩٩٧ م، ص ٦٩١ .
٢ - المعجم الوسيط، مكتبة الصحوة، المنوفية (مصر) ص ٨٢٣ .
٣ - تفسير البغوي »معالم التنزيل «، الجزء الرابع، ط ٣، دار طيبة للنشر والتوزيع، ١٩٩٥ م، ص ٨٨ .
والكفر خلاف الإيمان ١) « ) ويقال: »كفر الرجل كفراً وكفراناً: لم يؤمن بالوحدانية، أو النبوة أو
الشريعة، أو بثلاثتها...، والكافر من لا يؤمن بالله ٢) « )، وعلى هذا فالكافر يطلق على من كان
على محجة الإيمان، ثم تنكب عن تلك المحجة، أو هو من لم يؤمن أصلاً، وذلك شريطة أن تكون
رسالة الإيمان بالله قد وصلته، أما من لم تصله تلك الرسالة، أو يتعلق بها بسبب، فإن الصواب
ألا يطلق عليه لفظ كافر، إذ الكفر ضد الإيمان، فلا يوصف أحد بما هو ضد الإيمان، بينما الإيمان
لم يصله أصلاً أو يدخل قلبه.
ومن أجل ذلك وتأييداً له، فإن هناك عدداً من آيات القرآن تصف بعض الناس بالكفر، ولكنها
تؤكد أن هناك إيماناً قد دخل القلب، أي أنه لا كفر حادث وراهن، إلا بعد إيمان سابق وسالف، ومن
تلك الآيات قوله تعالى: »يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوهم أكفرتم بعد
إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون « (آل عمران: ١٠٦ ).
واقع الأمر، فإنه إن قيل : »كيف قال أكفرتم بعد إيمانكم وهم لم يكونوا مؤمنين؟ حكي عن أُبي
بن كعب أنه أراد به الإيمان يوم الميثاق، حين قال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. يقول: أكفرتم بعد
إيمانكم يوم الميثاق؟ وقال الحسن: هم المنافقون تكلموا بألسنتهم وأنكروا بقلوبهم، وعن عكرمة:
أنهم أهل الكتاب، آمنوا بأنبيائهم وبمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا
به، وقال قوم: هم من أهل قبلتنا وقال أبو أمامة: هم الخوارج، وقال قتادة: هم أهل البدع ٣) وسواء أكان هؤلاء الذين رجعوا بعد إيمانهم كفاراً، أولئك الذين كفروا بعد إيمانهم يوم الميثاق،
أم المنافقين، أم أهل الكتاب، أم الذين من أهل قبلتنا، أم الخوارج، أم أهل البدع، فإن الذي وقع فيه
كل هؤلاء هو كفر سبقه في الحقيقة إيمان، لذلك نعتوا بالكفر، فوصفهم الله به ورماهم بتلك
التهمة التي عاقبتها الخسار والبوار، ومن ثم يصدق القول: لا كفر إلا بعد إيمان.
ونظير ذلك التقرير بالكفر الذي سبقه إيمان نراه أيضاً، ونقرؤه كذلك في قوله تعالى: »من
كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم
غضب من الله ولهم عذاب عظيم « (النحل: ١٠٦ )، هذه الآية تستثني من الحكم الذي قررته،
وهو غضب الله وعذابه العظيم، الذي كفر مكرها، »عمار بن ياسر «، ولكنها في الوقت نفسه
تقرر ذلك الحكم السابق في حق أولئك الذين كفروا بعد إيمانهم، أي إنها لا تصف أحداً بالكفر
إلا بعد أن دخل الإيمان قلبه، أو َ مر عليه.
ومن تلك الآيات أيضاً قوله تعالى: »الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلي الظلمات أولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون « (البقرة: ٢٥٧ )، فالمقصود بالإخراج من النور إلى الظلمات، والإخراج من الظلمات
إلى النور هو من الكفر إلى الإيمان، ومن الإيمان إلي الكفر، وفيما تقرره هذه الآية من الإخراج من
النور إلى الظلمات، أي من الإيمان إلي الكفر تقرير لما ذكرناه قبل ذلك من أنه لا كفر إلا بعد إيمان،
إذ الكافرون إنما وليهم الشيطان يزين لهم ما هم فيه من الجهالات، والضلالات،، ويخرجهم
ويحيد بهم عن طريق الحق إلي الكفر والإفك، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
وعلى هذا المنوال أيضاً من الآيات التي لا تحكم بكفر إلا إذا سبق ذلك الكفر إيمان قوله تعالى:
»قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل
وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون « (العنكبوت: ٥٢ )، فالآية على هذه الشاكلة تجري مجري الآيات
السابقة من تأكيدها على الإيمان أولاً الذي يعقبه الكفر وي ُ ختم به، أي لا كفر إلا بعد إيمان، ومن
ثم أدرك هؤلاء الخسار والبوار.ومن الآيات التي يمكن أن تصب في الاتجاه نفسه »لا كفر إلا بعد إيمان «.، قوله تعالى: »قالوا بلى
قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن إنتم إلا في ضلال كبير « (الملك: ٩) فهؤلاء
الذين كفروا بربهم وهم في عذاب جهنم، كلما ألقي منهم فوج فيها يسألهم خزنتها إن كان
قد أتاهم من ينذرهم فيجيبون الخزنة أنهم أتاهم نذير لقنهم رسالة الهدى والإيمان، ولكنهم
كذبوه في رسالته وكفروا بها، بل وادعوا أن الله لم ينزل شيئاً، وأن هؤلاء النذر في ضلال كبير،
وما جاؤوا بحق.
وهكذا، فمن حصيلة ما سبق من تلك الآيات وأشباهها أنه لا يوسم أحد بكفر إلا إذا ذاق الإيمان
ونبتت بذرته في قلبه، ثم تنكر له، واقتلع تلك البذرة قبل أن تؤتي أكلها ويستقر ذلك الإيمان،
وكذلك لا يوصف أحد بكفر، طالما أن رسالة الإيمان لم تصله، ومن هنا كانت أهمية الدعوة إلى
الإسلام، بحيث لا يبقى مكان في الدنيا إلا وتدخله، فذلك أمانة في عنق كل مسلم، إذ من
اهتدى فلا بد من أن يهدي غيره.
١ - المنجد في اللغة والإعلام، ط ٣٦ ، دار الشروق ، بيروت، ١٩٩٧ م، ص ٦٩١ .
٢ - المعجم الوسيط، مكتبة الصحوة، المنوفية (مصر) ص ٨٢٣ .
٣ - تفسير البغوي »معالم التنزيل «، الجزء الرابع، ط ٣، دار طيبة للنشر والتوزيع، ١٩٩٥ م، ص ٨٨ .