البيت الأبيض


مكتب السكرتير الصحفي


_____________________________________________________________
للنشر الفوري 1 كانون الأول/ديسمبر 2009



كلمة الرئيس باراك أوباما إلى الأمة


حول الطريق نحو الأمام في أفغانستان وباكستان


قاعة مسرح أيزنهاور


وست بوينت، نيويورك


الساعة 8:01 مساء بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة

طاب مساؤكم. إلى هيئة طلاب الأكاديمية العسكرية، وإلى الرجال والنساء في قواتنا المسلحة، وإلى إخواني الأميركيين أود أن أتوجه إليكم هذا المساء بالحديث عن جهودنا في أفغانستان – طبيعة التزامنا هناك، ونطاق مصالحنا، والاستراتيجة التي ستتبعها حكومتي لتحقيق نهاية ناجحة لهذه الحرب. وإنه لشرف عظيم لي أن أفعل ذلك هنا في وست بوينت - حيث استعدت أعداد هائلة من الرجال والنساء للوقوف للدفاع عن أمننا وليكونوا ممثلين لأروع ما في بلادنا.

ومن أجل التطرق لهذه القضايا المهمة، من المهم الإعادة إلى الأذهان لماذا أجبرت أميركا وحليفاتها على خوض حرب في أفغانستان أساسا. نحن لم نطلب خوض هذه الحرب. ففي 11 أيلول/سبتمبر، 2001، اختطف 19 رجلا أربع طائرات واستخدموها في قتل قرابة 3000 شخص. وقد وجهوا ضربات لمراكزنا العسكرية والاقتصادية الحساسة. وأجهزوا على أرواح رجال ونساء وأطفال أبرياء بغض النظر عن مذاهبهم أو أعراقهم أو مراكزهم. ولولا الأعمال البطولية للركاب على متن واحدة من هذه الطائرات لكانوا سيضربون واحدا من أعظم رموز ديمقراطيتنا في واشنطن، ويقتلون عددا أكبر من الناس.

كما يعلم جميعنا، هؤلاء الرجال كانوا ينتمون للقاعدة – وهي مجموعة من المتطرفين الذين شوهوا ودنسوا الإسلام إحدى أعظم العقائد في العالم لتبرير ذبح الأبرياء. وكانت قاعدة عمليات تنظيم القاعدة في أفغانستان حيث كانت تؤويها حركة طالبان وهي حركة متحجرة وقمعية وراديكالية استولت على تلك البلاد بعد أن خربتها سنوات الاحتلال السوفييتي والحرب الأهلية، وبعد أن تحوّل انتباه أميركا وأصدقائنا إلى مناطق أخرى.

وبعد أيام قليلة من حوادث يوم 11 أيلول/سبتمبر، أجاز الكونغرس استخدام القوة ضد القاعدة وأولئك الذين كانوا يؤوونها—وهذا التخويل مستمر حتى يومنا هذا. وكانت نتيجة التصويت في مجلس الشيوخ 98 صوتا ضد لا شيء؛ أما نتيجة التصويت في مجلس النواب فكانت 420 صوتا ضد صوت واحد. وللمرة الأولى في تاريخها، طبقت منظمة حلف شمال الأطلسي المادة الخامسة - وهو التعهد الذي ينص على أن الهجوم على أي بلد عضو فيها يمثل هجوما على جميع الدول الأعضاء. كما أيّد مجلس الأمن الدولي استخدام كل الخطوات الضرورية للرد على هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وكانت أميركا وحلفاؤنا والعالم كله يعملون كتلة واحدة للقضاء على شبكة القاعدة الإرهابية ولحماية أمننا المشترك.

وتحت راية هذه الوحدة القومية والشرعية الدولية – وفقط بعد أن رفضت طالبان تسليم أسامة بن لادن - أرسلنا قواتنا إلى أفغانستان. وفي غضون عدة شهور تشرذمت القاعدة وقتل العديد من منفذي عملياتها. وأطيح بطالبان من السلطة وتم إخضاعها. وأصبح في أفغانستان التي كانت مكانا عرف الخوف لعقود طويلة ما يدعو للأمل. وفي مؤتمر عقدته الأمم المتحدة تم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة الرئيس حامد كارزاي. كما شكلت قوة مساعدة الأمن الدولية للإسهام في إحلال سلام دائم في بلد مزقته الحرب.

وفي العام 2003 اتخذ القرار بشن حرب ثانية، في العراق. والجدل العنيف حول الحرب في العراق معروف جيدا ولا حاجة لتكراره هنا. ويكفي القول إنه على مدى السنوات الست التالية استهلكت الحرب في العراق الجزء الأكبر من قواتنا ومواردنا والقدر الأعظم من دبلوماسيتنا واهتمامنا الوطني. وقد تسبب قرار الذهاب للعراق في انشقاقات عريضة بين أميركا وجزء كبير من العالم.

واليوم وبعد تكبد تكلفة غير عادية وجدنا طريقا تقودنا إلى الأمام في العراق. ونحن بصدد وضع نهاية لحرب العراق بصورة مسؤولة. فإننا سنسحب ألويتنا القتالية من العراق بنهاية الصيف القادم وستعود جميع قواتنا بنهاية العام 2011. وكوننا نفعل ذلك هو شاهد على طبيعة شخصية رجالنا ونسائنا أفراد القوات المسلحة (تصفيق). فبفضل بسالتهم وصمودهم تمكنا من إعطاء العراقيين فرصة لرسم مستقبلهم وإننا نحقق النجاح بمغادرة العراق لنتركه لشعبه.

لكن فيما حققنا تلك العلامات البارزة بجهد جهيد في العراق كان الوضع في أفغانستان يتدهور. فبعد فرارها عبر الحدود إلى باكستان في العامين 2001 و2002 أسست زعامة القاعدة ملاذا آمنا لها هناك. ورغم أن الشعب الأفغاني انتخب حكومة شرعية فقد عرقلها الفساد وتجارة المخدرات والاقتصاد المتخلف وعدم وجود قوات أمن كافية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية كان لطالبان قضية مشتركة مع القاعدة، إذ إن كلتيهما تسعى لإسقاط الحكومة الأفغانية. وتدريجيا بدأت طالبان السيطرة على قطاعات من مناطق أفغانستان، وفي الوقت نفسه تشارك في شن هجمات إرهابية تتزايد تدميرا ووقاحة ضد الشعب الباكستاني.

والآن وطيلة هذه الفترة، ظلت مستويات قواتنا في أفغانستان جزءا بسيطا مما كانت عليه في العراق. والواقع أنه حينما تقلدت المنصب لم يكن لدينا سوى أكثر بقليل من 32,000 أميركي يخدمون في أفغانستان بالمقارنة مع 160,000 في ذروة الحرب العراقية. وطلب القادة العسكريون في أفغانستان مرارا وتكرارا دعما للتعامل مع عودة ظهور طالبان، لكن ذلك الدعم لم يصل. ولهذا السبب، وافقت بعد فترة وجيزة من تولي المنصب على طلب مزمن لمزيد من القوات. ثم أعلنت بعد مشاورات مع حلفائنا عن استراتيجية تقر بالترابط الجوهري بين مجهودنا الحربي في أفغانستان وملاذات المتطرفين الآمنة في باكستان. وقد وضعت هدفا عرف تعريفا محكما على أنه "تعطيل وتفكيك وإلحاق الهزيمة بالقاعدة وحلفائها المتطرفين" وتعهدت بتنسيق مجهودنا العسكري والمدني على نحو أفضل.

ومنذ ذلك الحين، حققنا تقدما بشأن بعض الأهداف الرئيسية. فقد قتل قادة متطرفون رئيسيون من القاعدة وطالبان، وقمنا بتصعيد الضغط على القاعدة على نطاق عالمي. وفي باكستان، شن جيش تلك الدولة أكبر حملة له منذ سنين. وفي أفغانستان، منعنا، نحن وحلفاؤنا، طالبان من إيقاف انتخابات رئاسية، تلك الانتخابات التي- وإن شابها الغش- تمخضت عن حكومة تتساوق مع قوانين أفغانستان ودستورها.

ومع ذلك تبقى هناك تحديات هائلة. أفغانستان لم تفقد، لكنها ظلت تتخلف إلى الوراء عدة سنوات. ليس هناك تهديد مباشر محدق بالإطاحة بالحكومة، لكن طالبان كسبت زخما. ولم تظهر القاعدة مجددا في أفغانستان بنفس الأعداد كما كان عليه الحال قبل 9/11، ولكنهم يحتفظون بملاذاتهم الآمنة عند الحدود. وقد افتقرت قواتنا إلى الدعم الكامل الذي تحتاجه لتدريب قوات الأمن الأفغانية بصورة ناجعة والمشاركة معها وتوفير الأمن للسكان على نحو أفضل. وأفاد قائدنا الجديد في أفغانستان- الجنرال ماكريستال- بأن الوضع الأمني أخطر مما توقع. وباختصار: الوضع القائم لا يمكن تحمله.

وأنتم كمرشحي ضباط تطوعتم لخدمة في وقت الخطر. وبعضكم حارب في افغانستان. والبعض سيرسل إلى هناك. وأنا كقائد أعلى، مدين لكم بمهمة محددة بجلاء وتستحق ما تقدمون من خدمة. ولهذا السبب، أصررت بعد أن استكمل التصويت الأفغاني، على مراجعة دقيقة وشاملة لاستراتيجيتنا. ودعوني أكون واضحا: فخلال هذه المراجعة، لم يكن هناك إطلاقا خيار أمامي يتطلب نشر القوات قبل 2010، وبالتالي لم يكن هناك تعويق أو حرمان من الموارد الضرورية لسير الحرب خلال فترة المراجعة. فبدلا من ذلك مكنتني المراجعة من أن أسأل الأسئلة الصعبة وأن أستطلع كل الخيارات المختلفة مع فريقي للأمن القومي وقيادتنا العسكرية والمدنية في أفغانستان، ومع شركائنا الرئيسيين. ونظرا للمخاطر القائمة أنا مدين للشعب الأميركي- وبكل عمق لقواتنا- ليس بأقل من ذلك.

والآن لقد استكملت هذه المراجعة. وبصفتيالقائد العام للقوات المسلحة، فقد قررت أن مصلحتنا الوطنية الحيوية تقتضي إرسال 30 ألف جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان. وبعد 18 شهرا، سوف تبدأ قواتنا عودتها إلى أرض الوطن. هذههي الموارد التي نحن بحاجة إليها لأخذ زمام المبادرة، في الوقت الذي نبني فيه القدرةالأفغانية التي تتيح النقل المسؤول لقواتنا إلى خارجأفغانستان.

إنني لا اتخذ هذا القرار باستخفاف وبلا تروّ. إذ إننيعارضت الحرب على العراق تحديدا لأنني أعتقد أنه يجب علينا ممارسة ضبطالنفس في استخدام القوة العسكرية، وأنه يتعين علينا أن ننظر دائما في العواقب الطويلة الأجلالتي تخلفها إجراءاتنا. إننا نخوض حربا منذ ثماني سنوات، تكبدنا بسببها ثمنا باهظا في الأرواح الغالية وتكاليف هائلة في الموارد. ولقد جعل الجدل الدائر منذ سنوات حول العراق والإرهاب وحدتنا بشأن الأمن القومي في حالةمن التمزق، وأوجد درجة عالية من الاستقطاب والتحزب لهذا الجهد. وبعد أن عانى الشعب الأميركي لتوه من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير، فقد أخذ يركز اهتمامه لأسباب مفهومة على إعادة بناء اقتصادنا وإعادة الناس إلى وظائفهم هنا داخل الوطن.

الأهممن ذلك كله، أنا أعلم أن هذا القرار يتطلب منكم بذل المزيد – جيش تحمل، مع أسركم، ما أصبح بالفعل العبء الأكبر. وبصفتي رئيسا، فقد وقعت رسالة تعزية إلى عائلة كل أميركي بذل حياته في هاتين الحربين. ولقدقرأت الرسائل التي يبعث بها والدا وزوجات وأزواج الذين يتم نشرهم، وزرت محاربينا الجرحى الشجعان في مستشفى والتر ريد. وسافرت إلى دوفر لاستقبال النعوش المغطاة بالأعلام الأميركية التي احتوت 18 أميركيا عائدين إلى ديارهم لنقلهم إلى مثواهم الأخير. إنني أشاهد مباشرة التكاليف الرهيبة للحرب. ولولم أكن أعتقد أن أمن الولايات المتحدة وسلامة الشعب الأميركي هما علىالمحك في أفغانستان، لكنت أمرت بكل سرور بعودة كل جندي من أفراد قواتنا المسلحة إلى أرض الوطن.

وعليه فأنا لا أتخذ هذا القرار ببساطة. فأنا أتخذ هذا القرار لأنني على قناعة بأن أمننا معرض للخطر في أفغانستان وباكستان. فهذه هي بؤرة للتطرف العنفي الذي تمارسه القاعدة، فمن هنا شن الهجوم علينا يوم الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. ومن هنا تحاك المخططات لشن هجمات جديدة في الوقت الذي أتحدث إليكم فيه. إن هذا الخطر ليس مجرد خطر خامل، ولا مجرد تهديد افتراضي. ففي الأشهر القليلة الماضية وحدها، ألقينا القبض على متطرفين داخل حدودناأرسلوا إلى هنا من منطقة الحدود بين أفغانستان وباكستان لارتكابأعمال إرهابية جديدة. وسيزداد هذا الخطر إذا انزلقت المنطقة إلى الوراء، وتمكنت القاعدة من العمل دون خوف من عقاب. يجب علينا أن نواصل ممارسة الضغط على القاعدة، ولكي يتسنى القيام بذلك، ينبغي علينا تعزيز استقرار وقدرات شركائنا في المنطقة.

وطبعا، هذا العبء ليس من واجبنا تحمله وحدنا. فهذه ليست حرب أميركا فقط. فمنذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر كانت الملاذات الآمنة لتنظيم القاعدة مصدرا للهجمات التي شنت على لندن وعمّان وبالي. ثم إن شعبي وحكومتي كل من أفغانستان وباكستان معرضون للخطر. والأخطار أشد حتى داخل باكستان المسلحة نوويا، لأننا نعلم أن القاعدة وغيرها منالمتطرفين يسعون لامتلاك أسلحة نووية، ونحن لدينا أسباب كافية تحملنا على الاعتقاد بأنهم سيستخدمونها.

هذه المعطيات تدفعنا إلى العمل بالتعاون مع أصدقائنا وحلفائنا. ولا يزال هدفنا الأشمل هو نفسه لم يتغير وهو: تعطيل وتفكيك، ودحر تنظيم القاعدة في أفغانستانوباكستان، والحيلولة دون قدرته على تهديد أميركا وحلفائنا من أي منالبلدين في المستقبل.

ولبلوغ هذا الهدف، فإننا سوف نسعى إلى تحقيق الأهداف التالية داخل أفغانستان: يجب علينا حرمان القاعدة من الحصول على الملاذ الآمن. وعلينا أن نعكس الزخم الذي كسبته حركة طالبان وحرمانها من القدرة على الإطاحة بالحكومة. ويجب علينا تعزيز قدرة قوات الأمن والحكومة الأفغانية، حتى تتمكن من أخذ زمام المبادرة وتحمل المسؤولية من أجل مستقبل أفغانستان.

وسوف نحقق هذه الأهداف بثلاث طرق. أولاً، سوف نسعى إلى تطبيق استراتيجية عسكرية من شأنها أن تقضي على الزخم الذي كسبته طالبان وتزيد من قدرة أفغانستان على مدى الأشهر الـ18 المقبلة.

وسيتم نشر القوات الـ 30 ألفا الإضافية التي أعلنت عنها الليلة في الجزء الأول من عام 2010 – وذلك على جناح السرعة - حتى تتمكن من استهداف المسلحينوتأمين المراكز السكانية الرئيسية. وسوف تزيد من قدرتنا على تدريب قوات الأمن الأفغانية التي تتمتع بالكفاءة، والاشتراك معها حتى ينخرط المزيد من الأفغان في العمليات القتالية. وسوف نساعد على تهيئة الظروف للولايات المتحدة لنقل المسؤولية إلى الأفغان.

ونظرا لأن هذا المجهود مجهود دولي، فقد أصررت على أن يشاركنا حلفاؤنا التزامنا من خلال تقديم المساهمات. وقد تم بالفعل تقديم بعض منها، وأنا على ثقة من أنه سيتم تقديم مساهمات إضافية في الأسابيع المقبلة. لقد قاتل حلفاؤنا ونزفت دماؤهم وماتوا إلى جانبنا في أفغانستان. والآن، بات لزاما علينا أن نتضافر معا لإنهاء هذه الحرب بنجاح. لأن ما هو على المحك ليس ببساطة مجرد اختبار لمصداقية منظمة حلف شمال الأطلسي إن ما هو على المحك هو أمن حلفائنا، وأمن العالم المشترك.

لكن هذه القوات الأميركية والدولية الإضافية، مجتمعة، ستتيح تسريع تسليمالمسؤولية الأمنية إلى القوات الأفغانية، وتتيح لنا البدء في نقل قواتناإلى خارج أفغانستان في مطلع تموز / يوليو من عام 2011. وتماماً كما فعلنا في العراق، سوف نقوم بتنفيذ هذا النقل بطريقة مسؤولة، واضعين في الاعتبار الظروف على أرض الواقع. وسوف نواصل تقديم المشورة والمساعدة لقوات الأمن في أفغانستان للتأكد من أن بإمكانها النجاح على المدى الطويل. ولكن الأمر سيكون واضحا للحكومة الأفغانية – والأهم من ذلك لأبناء لشعب الأفغاني – أنهم في نهاية المطاف سوف يتحملون المسؤولية عن بلدهم.

ثانياً، سوف نعمل مع شركائنا في الأمم المتحدة ومع الشعب الأفغاني من أجل انتهاج استراتيجية مدنية أكثر فعالية بحيث يمكن للحكومة أن تستفيد من تحسن الأوضاع الأمنية.

ويجب أن يقوم هذا الجهد على أساس الأداء. فأيام تقديم شيك على بياض قد ولت. وقد بعث الرئيس كرزاي في خطاب تنصيبه برسالة صحيحة حول التحرك في اتجاه جديد. وبالمضي قدما، سوف نكون واضحين حول ما نتوقعه من أولئك الذين يحصلون على مساعدتنا. سندعم الوزارات الأفغانية والمحافظين، والقادة المحليين الذين يقومون على خدمة الشعب الأفغاني ويعملون على مكافحة الفساد. ونتوقع محاسبة أولئك الخاملين الذين لا يفعلون شيئا والفاسدين. وسوف نركز مساعدتنا أيضا على مجالات -- مثل الزراعة -- التي يمكن أن يكون لها تأثير فوري على حياة الشعب الأفغاني.

لقد تحمل شعب أفغانستان العنف لعقود طويلة. لقد واجه الاحتلال – من جانب الاتحاد السوفييتي، ثم من جانب المقاتلين الأجانب المنتمين للقاعدة الذين استخدموا أرض أفغانستان لمآربهم الخاصة. ولذا فإنني الليلة، أود أن يفهم الشعب الأفغاني – أن أميركا تسعى لوضع نهاية لهذه الحقبة من الحرب والمعاناة. ليس لنا مصلحة في احتلال بلدكم. وسندعم جهود الحكومة الأفغانية في فتح الباب أمام أعضاء طالبان الذين ينبذون العنف ويحترمون حقوق الإنسان لإخوانهم المواطنين. وسنسعى لإقامة علاقة شراكة مع أفغانستان على أساس الاحترام المتبادل- لعزل الذين يدمرون؛ وتقوية وتعزيز من يبنون ويعمّرون؛ وللتعجيل باليوم الذي سوف تغادر فيه قواتنا؛ ولتكوين علاقة صداقة تكون أميركا فيها هي شريكتكم، وليست القيّمة عليكم على الإطلاق.
ثالثا، إننا سنتصرف ونحن ندرك كامل الإدراك بأن نجاحنا في أفغانستان مرتبط ارتباطا لا ينفصل بشراكتنا مع باكستان.

إننا في أفغانستان لكي نمنع سرطانا من الانتشار مرة أخرى في جميع أرجاء هذا البلد. ولكننا ينبغي أن ندرك أيضا أن هذا السرطان نفسه ضرب بجذوره في المنطقة الحدودية لباكستان. وهذا هو السبب في أننا نحتاج إلى استراتيجية يمكن أن يتحقق لها النجاح على جانبي الحدود.
في الماضي، كان هناك في باكستان من يقولون إن الكفاح ضد التطرف ليس معركتهم، وإن باكستان ستكون في حال أفضل إن لم تفعل سوى القليل أو هي سعت إلى إرضاء من يستخدمون العنف. ولكن في السنوات الأخيرة، وفيما تعرّض الأبرياء للقتل من كراتشي إلى إسلام أباد، أصبح واضحا أن الشعب الباكستاني هو الأكثر تعرضا للخطر بسبب التطرف. لقد تغير الرأي العام. والجيش الباكستاني شن هجوما ضد المتطرفين في سوات وجنوب وزيرستان. ولا يوجد أي شك في أن باكستان والولايات المتحدة لهما عدو مشترك.

في الماضي، كنا غالبا ما نحدد علاقتنا مع باكستان في مساحة ضيقة. تلك الأيام قد ولّت. وفيما نتقدم نحو الأمام، فإننا ملتزمون بتعزيز وتقوية علاقة الشراكة مع باكستان التي ينبغي أن تكون مبنية على أساس من المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة. إننا ملتزمون بتعزيز قدرة باكستان على استهداف تلك الجماعات التي تهدد بلدنا، وأوضحنا بجلاء أننا لن نتسامح مع وجود ملاذ آمن للإرهابيين يكون موقعه معروفا، وتكون نواياه واضحة. إننا نوفر موارد هائلة لدعم ديمقراطية وتنمية باكستان، وإننا أكبر داعم دولي للنازحين جراء القتال في باكستان. وفيما نحن نمضي قدما، يجب أن يعرف شعب باكستان أن أميركا لن تتخلى عنكم. سنظل نصيرا وسندا قويا لأمن وازدهار باكستان بعد سكوت صوت المدافع بوقت طويل، لكي تتمكن إمكانياتها وطاقاتها العظيمة من الانطلاق.

هناك ثلاثة عناصر جوهرية لاستراتيجيتنا: جهد عسكري لتهيئة الظروف للمرحلة الانتقالية؛ نهضة مدنية تفرض اتخاذ الإجراءات الإيجابية؛ وشراكة فعالة مع باكستان.

وإنني أدرك أن هناك طائفة متعددة من المخاوف والقلق تحيط بجهودنا. فاسمحوا لي بأن أتناول باختصار بعض أبرز الحجج التي سمعت بها، والتي أتعامل معها بمنتهى الجدية.

أولا، هناك من يقولون إن أفغانستان هي فيتنام أخرى. وهم يقولون إن أفغانستان لا يمكن أن يتحقق لها الاستقرار، وأنه من الأفضل لنا أن نوقف خسائرنا وأن ننسحب بسرعة. غير أن ذلك يعتمد على قراءة زائفة للتاريخ. لأننا بخلاف ما جرى في فيتنام، معنا تحالف عريض يضم 43 دولة يدرك مشروعية ما نفعل. وعلى عكس فيتنام، فإننا لا نواجه تمردا شعبيا له قاعدة عريضة. والأهم من كل ذلك هو أنه على عكس فيتنام فقد جرى الهجوم البشع على الشعب الأميركي من أفغانستان، وما زال الشعب الأميركي هدفا للمتطرفين أنفسهم الذين ما زالوا يخططون المؤامرات على امتداد حدودها. وترك هذه المنطقة في خضم الفوضى- أو الاعتماد فقط على عمليات ضد القاعدة تنفذ عن بعد – سيزيد مخاطر حدوث هجمات أخرى، على وطننا وعلى حلفائنا.

ثانيا، هناك من يدركون أننا لا نستطيع ترك أفغانستان على حالها الراهن، ولكنهم يقترحون أن نمضي قدما بما لدينا من قوات. ولكن ذلك يعني ببساطة أننا سنحافظ على بقاء الوضع الراهن كما هو، وهو ما سنتخبط خلاله، ويسمح بحدوث تدهور بطيء هناك. وفي نهاية المطاف سيكون نهجا أكثر تكلفة وسيمدد أمد بقائنا في أفغانستان، لأننا لن نكون قادرين على الإطلاق على تهيئة الظروف اللازمة لتدريب قوات الأمن الأفغانية وإتاحة الفرصة لهم لتسلم مقاليد الأمور.

وأخيرا، هناك من يعارضون تحديد إطار زمني لنقل المسؤولية إلى الأفغان. وفي الحقيقة فإن البعض يدعو إلى تصعيد ضخم بدرجة أكبر وبلا نهاية محددة لجهودنا الحربية – وهو ما يلزمنا بمشروع لبناء أمة قد يستغرق عقدا كاملا. وإنني أرفض هذا النهج لأنه يضع أهدافا تتجاوز ما يمكن أن نحققه بتكلفة معقولة، وما نحتاجه من أجل تأمين مصالحنا. وعلاوة على ذلك فإن عدم وجود إطار زمني لعملية التحول سيحرمنا من الإحساس بالإلحاح والعجلة في تعاملنا مع الحكومة الأفغانية. وينبغي أن يكون واضحا أن الأفغان هم الذين سيتحملون المسؤولية عن أمنهم، وأن أميركا ليس لها مصلحة في أن تخوض حربا بلا نهاية في أفغانستان.

وأنا كرئيس، أرفض أن أضع أهدافا تتجاوز مسؤوليتنا ومواردنا المالية أو مصالحنا. ويجب عليّ أن أزن كل التحديات التي تواجهها بلادنا. فأنا لا أملك ترف الالتزام بمواجهة (تحد) واحد فقط. فأنا أعي كلمات الرئيس أيزنهاور الذي قال إنه "يجب وزن كل اقتراح في ضوء دراسة أشمل وهي: الحاجة إلى المحافظة على التوازن في البرامج القومية وبينها."

فعلى مدى السنوات العديدة الماضية، فقدنا ذلك التوازن. لقد أخفقوا في إدراك العلاقة بين أمننا القومي واقتصادنا. ففي أعقاب الأزمة الاقتصادية أصبح الكثير جدا من جيراننا وأصدقائنا بدون عمل ويكافحون من أجل دفع فواتيرهم. عدد جم من الأميركيين قلقون من المستقبل الذي يواجه أبناءنا. وفي الوقت نفسه ، لقد اشتدت المنافسة داخل الاقتصاد العالمي وأصبحت أكثر ضراوة. إننا ببساطة لا نستطيع أن نتجاهل تكاليف هذه الحروب.

وبوجه عام، فبحلول الوقت الذي توليت فيه السلطة تكون تكلفة الحربين في العراق وأفغانستان قد قاربت ترليون دولار. وبالمضي إلى الأمام، أنا ملتزم بالتعاطي مع هذه التكاليف بصراحة وصدق. فمن المحتمل أن يكلف نهجنا الجديد في أفغانستان هذا العام حوالي 30 بليون دولار على الإنفاق العسكري، وسأحاول العمل بشكل وثيق مع الكونغرس على معالجة هذه التكاليف فيما نعمل على تخفيض العجز في ميزانيتنا.

ولكنه يجب علينا، ونحن بصدد إنهاء الحرب في العراق ونقل المسؤولية إلى أفغانستان، بناء قوتنا هنا في الداخل. فرخاؤنا يوفر أساسا لقوتنا. فهو يوفر الأجور لقواتنا العسكرية ويتكفل بدبلوماسيتنا. إنه يستفيد من إمكانيات شعبنا، وسيمكننا من المنافسة بنجاح في هذا القرن كنجاحنا في الماضي. ولهذا السبب فإن التزام قواتنا في أفغانستان لا يمكن أن يكون بغير أجل نهائي- لأن هذا البلد الوحيد الذي أنا مهتم ببنائه هو بلدنا.

والآن، اسمحوا لي أن أكون واضحا: لا شيء من هذا سيكون سهلا. إن الكفاح ضد التطرف العنيف لن ينتهي بسرعة، لقد تجاوز أفغانستان وباكستان. إنه اختبار دائم لقوتنا كمجتمع حر ولتصميم قيادتنا في العالم. فخلافا لصراع الدول الكبرى وخطوط الانقسام الواضحة التي حددت القرن العشرين، إن جهودنا تشمل مناطق فوضوية وأعداء منتشرين.

ونتيجة لذلك، علينا أن نظهر قوتنا بأسلوب ننهي به الحروب ونحول دون الصراعات – وليس كيف نخوض هذه الحروب. يجب علينا أن نكون سريعي الاستجابة ودقيقين في استخدامنا لقوتنا العسكرية. وحيث القاعدة وحلفاؤها يحاولون تثبيت أقدامهم – سواء في الصومال أو اليمن أو أماكن أخرى – يجب التصدي لهم بزيادة الضغط والشراكات القوية.

إننا لا تستطيع الاعتماد على قوتنا العسكرية فقط لتأمين بلادنا. بل يجب علينا الاستثمار في أمننا الوطني لأننا لا يمكننا أن نضمن القاء القبض على أو قتل كل متطرف يمارس العنف في الخارج. وعلينا أن نحسّن وننسق بشكل أفضل معلوماتنا الاستخبارية، كي نبقى متقدمين خطوة على الشبكات المشبوهة.

إن علينا أن نبعد أدوات التدمير الشامل عن المتناول. ولهذا السبب جعلت تأمين المواد النووية المعرضة للخطر بعيدا عن متناول الإرهابيين، ومنع انتشار الأسلحة النووية، والسعي في سبيل إيجاد عالم بدونها ركيزة أساسية في سياستي الخارجية. لأن على كل دولة أن تدرك أن الأمن الحقيقي لا يتأتى أبدا عن سباق لا ينتهي على أسلحة أكثر تدميرا – فالأمن الفعلي يتحقق لأولئك الذين يرفضونها.

ينبغي علينا أن نستخدم دبلوماسيتنا؛ فما من دولة واحدة تستطيع مواجهة تحديات عالم مترابط بالعمل منفردة. لقد أمضيت هذا العام في تجديد تحالفاتنا وإقامة شراكات خارجية جديدة. وأقمنا بداية جديدة بين أميركا والعالم الإسلامي– بداية تدرك أن مصلحتنا المشتركة تكمن في كسر حلقة الصراع وتشكيل مستقبل يتم فيه عزل أولئك الذين يقتلون الأبرياء من قِبل أولئك الذين يقفون دفاعا عن السلام والرخاء والكرامة الإنسانية.

وأخيرا، يجب علينا أن نعتمد على قوة قيمنا – لأن التحديات التي نواجهها ربما تكون قد تغيرت، لكن الأمور التي نؤمن بها يجب ألا تتغير. ولهذا السبب منعت التعذيب وسأغلق السجن في خليج غوانتنامو. ويجب علينا أن نوضح لكل رجل وامرأة وطفل يعيش في ظل غمامة قاتمة من الطغيان في العالم أن أميركا ترعى نور الحرية والعدل والاحترام لكرامة كل الشعوب. فهكذا نحن. وذلك هو معين السلطة الأخلاقية لأميركا.

لقد تحملت بلادنا منذ أيام فرانكلين روزفلت وتضحيات وخدمات أجدادنا الأوائل عبئا خاصا من أعباء الشؤون الدولية. فقد سفكت دماء أميركية في كثير من البلدان وعلى قارات عدة. وأنفقنا عائداتنا لمساعدة الآخرين في بناء بلدانهم وتنمية اقتصاداتهم. وانضممنا إلى الآخرين في تطوير بنية المؤسسات – الأمم المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي والبنك الدولي – التي تخدم الأمن والرخاء المشترك للبشرية.

إننا لم نتلق الشكر دائما على هذه الجهود، وقد ارتكبنا أخطاء في بعض الأحيان. لكن الولايات المتحدة الأميركية ظلت تدعم أكثر من أي دولة أخرى الأمن العالمي على مدى ستة عقود – وهو زمن، مع كل مشاكله، شهد انهيار الجدران وانفتاح الأسواق وانتشال البلايين من الفقر وإنجازات علمية لا مثيل لها وتوسيع حدود الحرية الإنسانية.

وخلافا لما كانت عليه القوى العظمى في الماضي، نحن لم نسع إلى الهيمنة العالمية. فاتحادنا تأسس على مقاومة الظلم والاستبداد. نحن لا نسعى لاحتلال دول أخرى. ونحن لن ندّعي ملكية موارد بلد آخر أو نستهدف شعوبا أخرى لأن أديانها أو أعراقها مختلفة عما لنا. إن ما ناضلنا من أجله -- وما نواصل الكفاح من أجله هو مستقبل أفضل لأبنائنا وأحفادنا. ونعتقد أن حياتهم ستكون أفضل إذا استطاع أبناء وأحفاد الشعوب الأخرى أن يعيشوا في حرية وكرامة.

ونحن كبلد لم نعد حديثي عهد – ولعلنا لسنا بالبراءة – كما كنا عندما كان روزفلت رئيسا. ومع ذلك فما زلنا ورثة فجر كفاح من أجل الحرية، وعلينا أن نستحضر الآن كل ما أوتينا من قوى وإقناع معنوي لمواجهة تحديات العصر الجديد.

وفي النهاية، فإن أمننا وقيادتنا لا يتحققان بقوة أسلحتنا وحدها. فهما يستمدان من الشعب – من العمال وأصحاب الشركات الذين سيعيدون بناء اقتصادنا، ومن رجال الأعمال والباحثين الذين سيوجدون صناعات طليعية جديدة، ومن والمعلمين والأستاذة الذين سيتولون تعليم أبنائنا، ومن خدمات أولئك الذين يعملون في مجتمعاتنا في المنازل، ومن الدبلوماسين ومتطوعي فيلق السلام الذين يبعثون الأمل في الخارج، ومن منتسبي القوات المسلحة من الرجال والنساء الذين يشكلون سلسلة لا تنقطع من التضحيات التي جعلت حكومة الشعب من الشعب وللشعب حقيقة على هذه الأرض.

إن هذا العدد الكبير من المواطنين وتنوعهم لن يكون على اتفاق دائما على كل قضية – ولا ينبغي لنا نحن أن نكون. لكنني أعلم أيضا أننا، كبلد، لا نستطيع المحافظة دوما على قيادتنا أو نجتاز تحديات زماننا الجسام إذا سمحنا لأنفسنا بأن تفرقنا وتمزقنا الضغينة والتشاؤم الساخر والحزبية ذاتها التي سممت حوارنا الوطني في الآونة الأخيرة.

إن من السهل نسيان أننا كنا متحدين عندما بدأت هذه الحرب – يشدنا معا رباط ذكرى حديثة لهجوم رهيب على أميركيين أبرياء، وتصميم على الدفاع عن وطننا والقيم التي نعتز بها. أنا أرفض الفكرة القائلة إننا لا نستطيع استرجاع تلك الوحدة من جديد. لأنني أومن في كل خلجة من كياني بأننا – كأميركيين – لا نزال قادرين على الاتحاد خلف الغرض المشترك. فقيمنا ليست مجرد كلام خط بحبر على ورق – فهي عقيدة تدعونا إلى الاتحاد معا واجتازت بنا أحلك العواصف كأمة واحدة وشعب واحد.

نحن – يا أميركا – نجتاز فترة تجربة كبرى. والرسالة التي نبعث بها في غمرة هذه العواصف يجب أن تكون واضحة، وهدفنا عادلا، وعزمنا لا يتزعزع. سنمضي قدما بثقة تجعل من الحق قوة، وبالتزام يجعل أميركا أكثر سلامة، وعالما أكثر أمنا ومستقبلا لا يعبر عن أشد مخاوفنا وإنما عن أسمى آمالنا.

شكرا لكم، وليبارككم الله، وليبارك الله الولايات المتحدة الأميركية.