صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 46 إلى 60 من 71

الموضوع: قصة طويلة لكنها رااائعة

  1. #46
    التسجيل
    20-04-2005
    الدولة
    القدس
    المشاركات
    191

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    قصة روعة بتجنن

    وبإنتظار التكملة على احر من الجمر

  2. #47
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    الجزء الثامن و العشرون(مستحــيل) ....
    غادرت غادة بوابة الجامعة في عجل و هي تتمتم:يا إلهي لقد تأخرت..لابد أن رائفاً غاضب جداً مني الآن..
    لقد كان الشارع المقابل لبوابة الجامعة مكتظاً بالسيارات..لذا ألقت غادة نظرات متفحصة على تلك السيارات القابعة هنا و هناك...و همهمت في ضيق:أين هو؟..و أنا التي كنت أظن أنه ينتظرني..
    ألقت نظرة على ساعتها و من ثم تنهدت في حنق و هي تكرر:عجباً أين هو؟
    دارت غادة ببصرها مجدداً..حتى وقع نظرها على سيارة بيضاء تبعد عنها بضع أمتار..
    دققت النظر إليها...و من ثم اكتست ملامح وجهها بمزيج من الاستنكار و القلق..و دب في أعماقها سؤال يبحث بإصرار عن جواب:هذه سيارتنا..إنني أرى حسينا هناك..عجباً! أين رائف؟..فمنذ عودته و هو يصر أن يقلني إلى كل مكان..حتى أنه يوصلني إلى الجامعة..و يعود لاصطحابي حالما أنتهي ..ربما أتى حسين هذا من تلقاء نفسه..علي أن أتصل برائف...
    ضربت أصابع غادة رقم هاتف رائف المحمول في عجل..انتظرت بضع لحظات ثم قالت في حنق:يا إلهي هاتفه مقفل..لابد أن ذلك الكسول ما زال نائماً..لا يهم علي أن أمضي إلى بيتنا فشمس الظهيرة حارقة..
    مضت غادة تجر الخطى بين الزحام نحو السيارة البيضاء..و ما أن وصلت حتى رمت بحقيبتها جانباً بينما ألقت بجسدها على المقعد الخلفي..عندها تحركت السيارة و انطلقت مسرعة..
    التفتت غادة نحو حسين و قالت بلهجة آمرة:حسين..شغل أحد أشرطة الأغاني التي وضعتها في ذلك الصندوق الأمامي..
    -عذراً يا آنسة..لا يوجد أي منها..
    -ما الذي تقوله؟..لطالما كانت هنا..أو أضعتها..؟
    -كلا و لكن السيد رائف تخلص منها..
    -رائف؟..تخلص منها ؟
    -نعم يا آنستي كلها..
    -هكذا إذن..لا بأس..على كل لا تسرع..
    -حسناً آنستي..
    تنهدت غادة بقوة و هي تهمس لنفسها قائلة:يبدو أنك فعلاً تغيرت يا رائف..لكنني لا أستطيع أن أصدق ذلك..سبحان الله..رائف الذي كان ما أن ينزل شريط لأحد المغنين في الأسواق إلا و يسرع لشرائه يفعل ذلك..سبحان مغير الأحوال..ليتني أملك نصف قوته..نصف عزيمته..أتراني أملك القوة على تغير حاضري؟..كفاك هراء يا غادة هذا أمر شبه مستحيل..كلا..رائف استطاع ذلك..فلم لا أستطيع أنا؟..كل ما ينقصني هو الإرادة..ليتني أجدها...
    لمحت غادة طيف مكتبة من بعيد..و صرخت:حسين توقف..
    -ما الأمر آنستي؟
    -أريد دخول تلك المكتبة..
    -حسناً آنستي..
    رغم أن غادة لا تحب القراءة..إلا أنها كانت تنوي شراء كتاب حتى تقرأه على رهف..لا تتعجبن..فقد سمعت غادة من إحداهن أن بعض المصابين بالغيبوبة بإمكانهم سماع ما يدور حولهم..و لكن ليس بوسعهم الاستيقاظ...و بالرغم من أن غادة لم تكن تعلم مدى صحة هذه المعلومة..أو ما إذا كانت أختها من هذا الصنف أم لا..إلا أنها أصرت على شراء كتاب.. ربما بدافع الأمل..
    أو الأخوة..
    أو الإحساس بالذنب..
    *************************
    دلفت غادة إلى منزلها..و كعادتها ما أن دلفت حتى صرخت بجل صوتها:ماذا طبختي اليوم يا أماه؟..أكاد أتضور جوعاً..
    و لكنها لم تتلق رداً..
    وضعت غادة جلبابها على أحد المقاعد و هي تنادي:أمي..رائف..أين أنتما؟
    أقبل رائف نحوها يجر الخطى..فاقتربت هي منه بدورها في عجل و هي تقول:هكذا تتركني انتظر..لم لم تأتي لاصطحابي يا أخي الكسول..؟..هل النوم أهم مني؟..أم ماذا كنت تفعل..؟
    رمق رائف غادة بنظرات لم تعهدها..فاستدركت تلك الأخيرة قائلة:رائف ما بك؟..آسفة إن كنت أزعجتك بكلامي..
    لكنه لم يحرك ساكناً..فعقبت غادة في عجل:رائف هل أنت مريض..؟
    زفر رائف زفرة حارة..و قال بصوت مخنوق :غادة أريد أن أخبرك أمراً..
    ابتسمت غادة و هي تقول:قبل أن تفعل..أريد أن أخبرك بأمر مهم..لقد اشتريت كتاباً لأقرأه على رهف..أظنك تعدني غبية..صحيح..اسمع إذن..
    قاطعها رائف قائلاً:غادة ما عاد ينفع هذا..
    تغيرت ملامح غادة فجأة مع تلك الدمعة التي هطلت من عين رائف...و سألت في قلق: مم..ماذا تقصد؟
    -غادة..أنت مؤمنة..و المؤمن مبتلى...و يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطـ
    -رائف... ما الذي تريد أن تقوله؟
    -غادة..رهف..رهف
    ازداد قلق غادة و ارتفع صوتها و هي تقول:ما بها رهف؟
    -...................................
    -لا تصمت بالله عليك ما بها رهف..؟
    -غادة..رهف توفيت منذ ساعتين..
    -أ هذه مزحة سمجة؟..أنت تمزح صحيح..؟
    ازداد صوت رائف اختناقاً و هو يقول:عظم الله أجرك يا غادة..
    أطلقت غادة ضحكة عصبية و هي تعقب في توتر شديد:كف عن هذا يا رائف؟..قل لي أنك تمزح..أنت تحاول إخافتي فحسب..
    -........................
    قالت غادة في عصبية: هيا قل لي أنها مزحة ثقيلة..
    -ليتها كانت كذلك يا غادة..ليتها كانت كذلك..
    -مستحيل ..أنت تكذب علي..
    -رهف ماتت يا غادة..
    -كلا..لم تمت..أنت تكذب علي..
    -ماتت يا غادة..ماتت..
    صرخت غادة وهي تتراجع في ذعر إلى الخلف:مستحيل..مستحيل..مستحيل..
    تسمرت غادة في مكانها للحظات مع حروف كلماتها الأخيرة..بدت كتمثال جامد..بلا روح..بلا وميض..
    و من ثم ألقت نظرة على وجه رائف المبلل بالدموع..و إن كان يحاول جاهداً أن يخفيه عنها..تسارعت أنفاسها..هل هذا ممكن؟..هل رهف ماتت؟..مستحيل...
    أدارت غادة ببصرها نحو باب غرفة رهف..و ركضت نحوه..بسرعة جنونية..و كلها أمل..أو أحلام أقنعت نفسها بها..
    نادها رائف من خلفها:غادة توقفي..
    لكنها لم تستمع إليه..تعالى هتافه و لكن دون جدوى..فركض بدوره خلفها..و وصلت غادة إلى باب الغرفة.. فتحته بقوة حتى ارتطم بالجدار..و توقفت...و من خلفها توقف رائف..بينما علا صوت بكاء مكتوم من جانب سرير رهف..دققت غادة النظر..إنها والدتها..تلك المرأة التي كان صدرها يعلو و يهبط بقوة..تلك المرأة التي بدت أشبه بورقة تتأرجح بقوة في وسط العاصفة...يغلفها صوت أنين..و دموع بلا نهاية..
    اقتربت غادة ببطء شديد..بطء امتزج بالخوف..و الرجاء..
    خطوة تجر خطوة..
    و أخيراً وصلت..لترى جسداً نحيلاً يرقد على فراش أبيض و بلا حراك..
    ابتسمت غادة و هي تتحسس أطراف رهف الباردة مما جعل رائف يهتف قلقاً و بصوت مبحوح:غادة هل أنت بخير..؟
    التفتت إليه غادة و هي ما زالت تحمل ابتسامتها تلك..و من ثم أدارت ببصرها نحو والدتها..و جثت على ركبتها بقربها و هي تقول:لم البكاء يا أمي؟..فرهف نائمة فحسب
    ازدادت دموع الأم في الهطول..
    فوضعت غادة كفها على وجنة أمها المبللة بالدموع..و هي تكرر:أمي صدقيني..رائف هذا لا يعرف شيئاً رهف نائمة فحسب..
    أمسكت الأم بكف ابنتها و هي تقول بصوت بالكاد تستطيع تميز كلماته:رهف ماتت يا غادة..لقد ذهبت و تركتنا..لن نسمع صوتها مجدداً..انتهى كل شيء..كل شيء..لقد غابت كما تغيب الشمس..و لن تشرق في دنيانا ثانية..
    سحبت غادة يدها في حركة حادة و قد تغيرت ملامح وجهها و قالت في حدة:كلا يا أمي إنها نائمة..رهف لم تمت..
    تطلعت الأم إلى ابنتها في حزن شديد..بينما صرخت غادة:لم هذه النظرات..أختي لم تمت..
    استدارت غادة نحو رائف الذي كان يراقبها في حزن مستنجدة:أخبرها يا رائف..أخبرها بأن رهف نائمة فحسب..
    أطلق رائف زفرة حارة أقوى من سابقتها و هو يقول:غادة..تعالي معي..
    وقفت غادة في عصبية و هي تردد:إذن أنتما لا تصدقاني..سأثبت لكما ذلك..
    و انطلقت غادة نحو سرير رهف و بدأت في هز جسدها بقوة و هي تخاطبها:رهف حبيبتي استيقظي..أخبريهما أنني على صواب..
    هيا رهف استيقظي..
    أفيقي بالله عليك..
    كفى مزاحاً.. هيا رهف..
    لم لا تردين علي..؟
    لم جسدك بارد هكذا...؟
    أطلقت الأم شهقة فزع مكتومة..بينما اقترب رائف بسرعة من غادة..و قد بلغ به القلق مبلغه و خاطبها:غادة كفي عن هذه التصرفات بالله عليك..هيا معي..
    لكن غادة لم تجبه بل تابعت حديثها إلى رهف و قد بدأت تفقد السيطرة على كبح دموعها:
    -رهف..أفيقي أرجوك..إن أفقت سأفعل ما تريدين..سأنفذ كل أوامرك..أعدك..بل أقسم لك..رهف بالله عليك أفيقي..
    ازداد قلق الأم و بكاؤها في آن واحد..مع هطول دموع غادة..فما كان من رائف إلا أن أمسك ذراعي غادة بقوة و هو يصرخ:غادة..كفى هيا بنا..
    صرخت غادة بدورها:دعني يا رائف..لا أريد أن أذهب لأي مكان..سأبقى هنا لأقرأ على رهف ذلك الكتاب..أنا واثقة أنها ستفيق حالما أقرأه عليها..صحيح يا رهف..؟لم لا تجيبيني؟..لم لا تردي علي؟..أرجوك يا رهف..لا تتركني وحدي..
    طوقها رائف بذراعيه فقد بدا أنها قد فقدت صوابها بالفعل و هو يكرر قائلاً:هيا بنا يا غادة..
    حاولت غادة أن تتملص منه بكل ما تملك من قوة و هي تصرخ بجل صوتها:اتركني لن أذهب إلى أي مكان..رهف ..قولي له أن يدعني.. هل تسمعينني؟.. لا تقلقي..لن أجعلهم يضعوك تحت التراب..أنا واثقة من أنك ستستيقظين قريباً..هيا رهف..هيا
    -غادة..توقفي بالله عليك..رهف ماتت
    -دعني يا رائف دعني..اتركني أيها الكاذب.. رهف لم تمت..
    أحكم رائف تطويق غادة..و بدأ يجرها بعيداً..بينما صرخت تلك الأخيرة..:دعني يا رائف..اتركني..أمي قولي له أن يدعني..أمي أخبريه بأن رهف ستفيق..رهف..أختي..لن أنعتك بالبدينة بعد الآن..لن أتهمك بالتخلف..سأفعل ما تريدين فقد عودي...عودي إلي..كفي عن الصمت بالله عليك..
    أشاحت الأم ببصرها بعيداً نحو ذلك الجسد النحيل البارد..
    بينما احمرت عينا غادة من البكاء و هي تردد:دعني رائف ..لا أريد أن أغادر..لا أريد..
    صرخ فيها رائف و هو يحاول إخراجها من غرفة رهف:غادة بالله عليك أفيقي لنفسك..
    و مع حروف كلماته الأخيرة..أدارها رائف نحوه بقوة..و أمسك كتفيها بشدة و هو يقول في حزم:غادة انظري إلي..
    أجابته غادة بصوت مخنوق:ماذا تريد مني بعد؟
    -انظري إلي..
    -ها أنا أفعل..هلا تركتني الآن أعود..فربما أفاقت رهف في أي ثانية..
    أمسك رائف بكوب ماء كان على طاولة بجواره..و أفرغ محتواه في وجه غادة لعلها تعود إلى رشدها..
    تسمرت للحظات..بينما علا صوت شهقاتها المتتابعة..حتى لم تعد تستطيع أن تحمل نفسها
    فجثت على ركبتيها..و رمت بنفسها على الأرض و هي تبكي بحرقة..
    تبكي رفيقة طفولتها..
    و صديقتها الأولى..
    و أختها الكبرى..
    اقترب رائف منها..و مسح بيده على شعرها و هو يهمس:غادة..عليك أن تتقبلي موت رهف..عليك أن تصدقي ذلك..و أن تواجهيه بإيمان..و صبر..
    نظرت غادة إلى رائف و قد انتفخت عيناها من كثرت البكاء و هي تردد بصوت مذبوح:لا أريد أن أصدق..لا أريد أن أصدق..أنا السبب..
    نعم أنا السبب..
    *******************



    .
    .

    .

  3. #48
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    الجزء التاسع والعشرون : استيقظي يا غادة ..</B>

    مضت الأيام التالية .. كئيبة قاسية .. كانت من أصعب المراحل التي شهدتها غادة في حياتها .. لم تستطع تحمل فكرة أن رهف تغسل الآن في الدور السفلي أو أن جنازتها تمضي بجسدها إلى غير رجعة .. حيث سترقد وحيدة تحت الأرض التي ما زالت غادة تمشي عليها ..
    هاهما تفترقان دون سابق إنذار .. دون كلمة وداع أو حتى نظرة أخيرة .. كل ذلك جعل غادة تشعر أن موت رهف مجرد حلم .. وهم يعيشه خيالها المريض في إحدى نوبات الهستيريا التي كثرت في الآونة الأخيرة ..
    غص البيت في تلك الأيام بالأقارب والأصحاب الذين قدموا من كل صوب للتعزية .. لكن غادة لم تسمح لأحد برؤيتها أو دخول معتزلها المظلم إلا رائف وسامية .. حتى أمها تجنبت الالتقاء بها لكيلا تستمع إلى مواعظ التقاليد والعيب وغير ذلك ..
    كانت سامية أكثر شخص أسندت غادة إليه ظهرها الضعيف .. خصوصا وقد كثفت هذه الصديقة الوفية زياراتها في فترة العزاء لتساهم في إعداد المكان وتهيئته للزوار الكثر ..

    مضت الأيام تلو الأيام وغادة لا تكاد تخرج من دائرة الكآبة والحزن والتشاؤم .. أصبحت الحياة في نظرها على حافة الهاوية .. فربما يخطفها الموت هي أيضا على حين غرة .. كما خطف رهف اليانعة المليئة بالآمال والحب والحماس ..

    واقتربت عطلة رائف من نهايتها .. لكنه كان يتجنب فتح الموضوع خوفا من ردات الفعل .. إضافة إلى أنه كان يفضل التضحية بمشواره الدراسي الذي قطعه في سبيل البقاء مع أمه .. وربما كفرت هذه التضحية عن خطأه في تركها سنتين كاملتين دون عائل ..

    ذات يوم طرق رائف الباب على غادة فسمع صوتها الضعيف يأذن له بالدخول .. فتح الباب برفق ودلف إلى الداخل دون كلمة .. أسند ظهره إلى الباب وراح يطالع غادة وهي تعتمد بوجهها على كفيها وقد التصقت بجهاز التسجيل الذي كان شريط رهف يدور فيه ..

    اقترب رائف فاعتدلت غادة في جلستها دون أن تنظر إليه .. وأغلقت الجهاز ثم التقطت وسادة صغيرة طوتها في حجرها واتكأت عليها .. وقد غرق وجهها بالدموع ..

    جلس رائف على حافة السرير وهمس :
    - أما زلت تعيشين الماضي ؟؟
    - ليس لي إلا ذلك ..
    - لماذا ؟؟
    - لأنه لم يعد لي غيره .. ولا أريد سواه ..
    - غادة .. إن كنت تظنين أنه لم يعد هناك جدوى من حياتك فنحن نعتقد غير ذلك .. نحن بحاجة إليك يا غادة ..
    نظرت غادة إلى أخيها غير مصدقة ما يقول وهمست وهي تضيق عينيها :
    - من الذي بحاجة إلي ؟؟ ماذا أشكل في حياتك أو حياة الآخرين ؟؟ يمكنك أن تتزوج وتسافر وتأخذ أمي معك .. ماذا سينقصك إن لم أكن معكم ؟؟ يمكن لصديقاتي أن يتابعن حياتهن دوني .. يمكن لعادل أن يجد له رفيقة أفضل مني .. حتى سامية ستتزوج يوما ما وتبتعد عني .. وربما تنساني كذلك .. ما أنا ؟؟ لاشيء .. لن يتغير شيء في الوجود إن مت .. لربما كانت رهف أنفع للآخرين مني .. ليتني مت بدلا عنها .. ليت الأمر كان بيدي ..
    امتعض رائف بشدة مما سمع .. لكنه كبت غيظه وأمسك كف غادة برفق وهو يقول :
    - أولا .. يجب أن تستغفري الله مما قلت .. فأنت لست أعلم من الله بأمور خلقه .. لقد اختار الله رهف إلى جانبه ولم يخترك لحكمة ما .. لا نستطيع أن نخمن ما هي هذه الحكمة لكن علينا أن نؤمن إيمانا مطلقا بأن الحكمة من ذلك عظيمة .. وعلينا أن نسلم بما حدث ونرضى ونحمد الله على كل حال ..
    ثانيا .. الله عز وجل لا يخلق شيئا عبثا .. عليك أن تثقي بأن الله خلقك وأنعم عليك بعمر أطول من عمر رهف لا لتتمني الموت وتستسلمي للسلبية والتشاؤم بل لتؤدي دورا مهما لا يستطيع غيرك أن يؤديه .. وحتى لو كان الأمر بيدك فأمت نفسك وأحييت رهف لتؤدي دورك بالنيابة فهي لن تستطيع .. لأنها لم تخلق لذلك .. فكل ميسر لما خلق له .. ربما لم تعرفي ما هو دورك بعد .. لكن عليك أن تثقي بكينونته .. وتسعي للاهتداء إليه وأدائه على أكمل وجه ..
    صدقيني يا غادة نحن بأمس الحاجة لك .. إن تخليت عنا فكيف نشعر بجو العائلة ؟؟ تخيلي كيف سيكون حال أمنا لو فقدتك أنت الأخرى ؟؟ وأنا .. إلى من سألجأ إن احتجت إلى قلب كبير يفهمني ويفهم رغباتي ويحتوي مشاعر الأخوة في ؟؟ لماذا ترفضين تصديقي حين أخبرك بأنني كنت كالضائع في الغربة بدونكم جميعا ؟؟ غادة .. هل تنصتين إلي ..
    شرقت غادة بالدمع .. وهي تستمع إلى كلمات أخيها الرقيقة .. أحست بأنها انتشلتها من بين ركام الألم الذي حرمها حتى من التفكير السليم .. كان رائف يحاول كل يوم أن يوقظها من حالتها البائسة .. لكنها كانت تصمت وتصم أذنيها .. فيخرج رائف من حجرتها يجر أذيال الخيبة .. لكنها اليوم تشعر بأنها قادرة على فهم الكلمات جيدا .. لقد نفذ صوت رائف إلى أعماقها المظلمة كشعاع ساخن ..
    نظرت إلى الشريط ثانية .. ثم تمتمت :
    - كلكم تقولون ذلك .. أنت .. وسامية .. ورهف أيضا .. حتى عادل قبل أن يتركني كان يقول ذلك ..
    صمتت قليلا ثم تابعت :
    - رائف .. أنت تعلم عن هذا الشريط .. صحيح ؟؟ سبق أن أسمعتك إياه ..
    - أجل ..
    - لا أدري ما أقول لكن .. أود أن أفعل شيئا من أجلها .. وكلما أحسست بهذه الرغبة أجدني أعود للاستماع إلى الشريط وكأنه وصيتها التي تركتها لنا دون أن تدري أنها كذلك .. لكنني بعدما أنتهي أشعر بالتيه .. ولا أعرف من أين أمسك بالخيط ..
    رائف .. أتكون الحكمة من موتها هي هدايتي أنا ؟؟
    ضغط رائف على كفها برفق وقال وهو يثبت عينيه على عينيها :
    - ربما .. لو كانت هذه هي الحكمة فهي كافية .. ألا تظنين أن إنقاذك من النار أمر عظيم ؟؟ لكننا مهما بذلنا من جهد فلن يستطيع عقلنا القاصر فهم هذه الأمور .. كما أنني لا أريدك أن تعودي إلى عقدة الذنب هذه ..
    بكت غادة بحرقة وهي تقول :
    - كيف تقول بأن ذلك كاف ؟؟ كان بإمكاني أن أستقيم دون أن تموت رهف ... أتضحي بعمرها وأحلامها من أجلي أنا ؟؟ لماذا يضحي الجميع من أجلي بينما لا أهتم أنا سوى بنفسي .. أنا لا أستحق عمر رهف لا أستحقه ..
    - غادة ما الذي تقولينه ؟؟ أرجوك أن تتوقفي عن الإحساس بأنك السبب في موتها .. سيقودك هذا الإحساس إلى إغضاب ربك .. وافناء عمرك في لاشيء .. رهف ماتت لأنها كانت مريضة بالقلب لا لأنك كنت عاصية ..
    زفر رائف بقوة وقد مل من مماراة غادة كل يوم دون جدوى .. ثم قال :
    - فكري بأنك لو استقمت من الآن فستنال رهف أجر كل حسنة تقومين بها .. فكري كم سيرفع ذلك من درجاتها عند الله .. ألا تشعرين بالسعادة إذا فكرت بأن رهف تعيش الآن في قصر مليء بكل المتع تحيط به الحدائق الغناء والأنهار والشلالات ؟؟ ألا تسعدين إذا علمت أنها في هذه اللحظة تغني تحت ظل شجرة ذهبية وتداعب الطيور وتأكل ما لذ وطاب من الطعام .. ؟؟ لم لا تساعدينها على الوصول إلى كل ذلك بدلا من البكاء والتسخط طيلة الوقت ؟؟
    تعجبت غادة مما سمعته وقالت :
    - أأستطيع ؟؟
    - بالتأكيد .. الميت لا يصله من الأعمال سوى أربعة أشياء .. وكلها في وسعك عملها : الحج والعمرة والصدقة والدعاء .. هل هناك أبسط من ذلك ؟؟ ..
    صرخت غادة وكأنها وجدت كنزا :
    - أحقا ما تقول ؟؟
    ابتسم رائف وقال :
    - أقسم على ذلك ..
    سرحت غادة قليلا وقد لاحت على شفتيها ابتسامة مضيئة وأشرق وجهها بالبشر .. ثم أمسكت بيد رائف بقوة وقالت :
    - اشهد علي إذن أنني لن أتخلى عنها ما حييت .. كن لي عونا يا رائف .. وذكرني بعهدي كلما نسيت .. وادع الله أن يتقبل مني .. وأن يتوب علي ..
    اغرورقت عينا رائف وقال :
    - الحمد لله ..
    لكن العبرة خنقته فلم يتمكن من المتابعة .. نهض من مكانه وغادر الحجرة مؤجلا موضوعه الذي قدم من أجله إلى وقت آخر ..

  4. #49
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    sanra bullock vbmenu_register("postmenu_3791118", true);
    أشكرك على المرور
    وأتمنى أن تكون التكملة أعجبتك
    .
    .

    .

  5. #50
    التسجيل
    20-04-2005
    الدولة
    القدس
    المشاركات
    191

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    التكملة روعة وعجبتني كتير

    وانا متابعة القصة لحد ما اتخلص

  6. #51
    التسجيل
    01-07-2005
    المشاركات
    134

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة


    الله يرحم رهف
    الحمدلله ان غادة اهتدت.

    انا قايلة رائف هذا خوش ريال
    يعطيك الف الف عافية ابو الدحم القصة غرااام
    وناطرة الباقي


    Thanks Again
    اختكم فطوم:flowers1:

  7. #52
    التسجيل
    20-04-2005
    الدولة
    القدس
    المشاركات
    191

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    يلا كمل الباقي pleaseeeeeeeeeeee

    القصة كتير حللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللللوة
    كل شوي بفتح حتى اشوف ازا حطيت جزء جديد

    بتمنى تحط الجزء بأقرب وقت لأني بدي اعرف النهاية بسرعة

  8. #53
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    ftm ftm
    sanra bullock
    أشكركن على المرور
    وأتمنى تعجبكم
    حتى النهاية
    .
    .

    .

  9. #54
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    الحلقة الثلاثون (خبر سار؟!)


    مضت الأيام تجر الأيام و أحوال غادة في تغير عجيب.. فغادة التي نعرفها باتت شخصا آخر كأنما ولدت من جديد...
    لقد أصبحت نقية و طيبة.. مشرقة بنور الإيمان و عبق الهداية..
    انطلقت نحو أعماق السكون و الطمأنينة.. كطائر حر يرفرف في فضاء السعادة.. بلا قيود و بلا أحزان.. و ذابت طبقات الجليد.. حتى رأى ذلك البرعم وجه الشمس الضاحك.. فحياها في حبور و بدأ رحلته نحو الحياة.. نحو الحقيقة.. و عبر بر النجاة.. و بدأ يفهم معنى الوجود.. و قرر أن ينمو تحت سماء الشريعة الإسلامية السمحة.. بعزيمة و إرادة لا تهدها جبال و لا تضعفها عواصف..
    و مع بداية رحلة غادة إلى النور رافقتها سامية..تنصحها و توجهها...تشجعها و تشد من أزرها..حتى أصبحت سامية صديقة غادة المقربة و الحميمة...
    أما رائف فقد كان السوار الذي أحاط بغادة ليذكرها و يعينها.. و ليشحذ عزيمتها و إرادتها التي ازدادت قوة يوماً بعد يوم...
    و فتحت أبواب السعادة لغادة.. و شع قلبها بالنور و الرضا و الراحة.. و كأن مياه الينابيع الجبلية العذبة الباردة تتدفق في عروقها لتكسبها حيوية و نشاطاً و أملاً..
    أخيراً ذاقت غادة طعم الشهد..بلا مسكنات أو مهدئات...بل بآيات بينات...و بطاعة رب العباد. *****************
    ارتفع رنين الهاتف فرفعت غادة السماعة لتجد محدثتها تقولهاي) غادة..أين أنت لقد افتقدناك كثيراً..
    اعتدلت غادة في جلستها و عقبت قائلة في هدوء:السلام عليك و رحمة الله و بركاته يا فاتن..فهذه تحية الإسلام..
    -إذاً ما سمعته كان صحيحاً؟!
    -و ماذا سمعت يا فاتن؟
    -هكذا يا غادة كيف استطاعوا أن يغسلوا دماغك ؟!.
    -ما الأمر... لم كل هذه العصبية؟!
    -كيف سمحت للمعقدين بجذبك في صفهم؟!
    -معقدين؟!
    -نعم..معقدين...يظنون أنهم ما زالوا يعيشون في العصر الغابر..
    -كفي عن ذلك يا فاتن..بل هم الأذكياء..السعداء..الذين اتبعوا طريق النجاة...طريق الحبور و الأمان..
    -ماذا؟!..هل أنت على ما يرام..؟
    -لم أكن يوماً أحسن مني الآن..
    -أنسيت أي سعادة كنت تجدينها برفقتنا؟!
    -لقد كانت سعادة زائفة...ترسم ضحكات مقنعة على الوجوه ..و تدمر في الأعماق ألاف المعاني و الحروف..
    -أوتريدين أن تتخلفي عن ركبنا.. ركب الرفاهية والتطور..!؟
    - عزيزتي .. قد كنت مثلك في السابق... ولكنني حينما اقتربت من هؤلاء الناس وجدت ما لم أجده معكن..وجدت السكون الروحي الذي أعاد إلى قلبي نبضاته...استبدلت الأغاني الماجنة بكلام عذب صافي..بكلام الله عز وجل...استبدلت الثياب القصيرة الفاحشة بثياب فضفاضة و أنيقة...و بدأت أقرأ و أقرأ..فأحببت العلم الذي دعا إليه ديننا الحنيف.. العلم أساس و بداية.. و الإسلام ينبوع يتدفق بلا نهاية.. نحو مجد و حضارة.
    --ذلك عهد انقضى..
    -لم لا نجدده يا فاتن؟!..فباب التوبة ما زال مفتوحاً..
    -إياك أن تبدئي يا غادة..أوستنصحينني أيضاً..!
    -أريد الخير لك يا فاتن فأنت صديقتي لسنوات طوال..
    -لقد كنت صديقتك..و بيدك الآن أن تحافظي على هذه الصداقة أو تدمريها..
    -فاتن!
    -إما نحن و إما المعقدين..
    -................................
    -لم الصمت..؟..فيم تفكرين؟..نحن أم هم؟
    -الأمر لا يحتاج للتفكير كل ما في الأمر أن شريط حياتي مر سريعاً أمام عيني.. كم كنت قاسية و فظة مع أناس كثيرين..
    -ماذا تعنين؟
    -لقد استعدت نفسي يا فاتن و لن أبعثر كرامتها بمعاص و مجون..
    -هكذا إذن.. لا نريد أن نراك ثانية يا غادة..
    -فاتن..اسمعــــــ...
    أغلقت فاتن الخط قبل أن تكمل غادة كلامها.. و مضت اللحظات و غادة تمسك بسماعة الهاتف..و إذا بصوت يجذبها من سرحانها قائلاً:حسناً فعلت يا أختي..
    وضعت غادة سماعة الهاتف جانباً بينما اتسعت ابتسامتها و هي تقول:منذ متى و أنت هنا؟..
    كان رائف متكأً على باب حجرة غادة عندما وجهت إليه سؤلها السابق..فدلف إلى حجرة أخته بخطى واثقة و هو يقول: يخيل الي أنك لست نادمة على ما فعلته للتو..؟!
    -ربما شعرت بالندم فعلاً..لكنه ندم على أيام ضيعتها لهواً..و على أناس مزقت قلوبهم بقسوة.
    -من تقصدين بكلامك..رهف أم عادل؟
    -عادل..أدعو الله أن يرزقه فتاة صالحة تستحقه.. أما رهف فأدعو الله أن ينير قبرها و أن يجعله روضة من رياض الجنة..
    -لم تجيبني يا غادة..
    -سأحتفظ بالإجابة لنفسي..هل لديك مانع..؟
    -كلا..هل يستطيع أحد في هذا البيت أن يقول لغادة لا..
    -ذلك لأنني أملك شخصية قوية و إحساسا مرهفاً..
    -كوني واقعية رجاء..
    -أتريد أن أثبت لك..
    -ممممممممممممم..حسناً ..
    -منذ عدة أيام و أنت تعرج على غرفتي..
    -هذا أمر طبيعي..أنا أخوك و قلق عليك..
    -دعني أكمل ..
    -حسناً...حسناً لا تغضبي و ماذا بعد..
    -أنت تريد أن تحدثني بموضوع ما و لكنك محرج..مرتبك..لست أدري..
    -يا لك من فتاة كيف شعرت بهذا..؟!
    -أنسيت أنني أختك..و أن لي شخصية قوية و إحساساً مرهفاً..
    -حسناً أيتها العبقرية في ماذا كنت أريد أن أحدثك؟.
    اقتربت غادة من أخيها و هي تضم كفيها خلف ظهرها و ابتسامتها تتسع شيئاً فشيئاً و هي تقول:هذا ما ستخبرني به الآن..
    ابتسم رائف بدوره قائلاً:لن أفعل..هيا ارني شخصيتك القوية..
    انطلقت غادة إلى باب غرفتها و أقفلته بالمفتاح ثم أشارت بالمفتاح إلى أخيها و هي تقول:إذن لن تغادر غرفتي حتى أعرف ما يدور في بالك..
    جلس رائف على أقرب مقعد و هو يعقب:هذا ليس عدلاً..هذا ابتزاز..
    جلست غادة قرب أخيها و هي تهمس قائلة:هاك المفتاح..و لكن أخبرني يا رائف ما الأمر؟..قلبي يحدثني بأنه خبر سار..
    -غادة..أنت تعلمين أن فترة إجازتي شارفت على الانتهاء..و تعلمين أنني سآخذكما معي أنت و والدتي..و..
    صمت رائف للحظات فعقبت غادة في عجل قائلة:و..ما بك رائف أكمل..
    -ماذا لو اصطحبت ثلاثة أشخاص معي عوضاً عن اثنين..
    -ماذا تعني؟..لا تكلمني بالألغاز أرجوك..
    -قبل وفاة رهف كنت تحدثينني عن سامية..و كما سمعت منك أنها فتاة طيبة و خدومة..و أنها ساعدتك كثيراً قبل و بعد وفاة رهف..ففكرت لو..
    قاطعته غادة قائلة:هل تنوي خطبتها...؟
    التفت رائف إليها التفاتة حادة فعقبت قائلة:هل تنوي خطبتها حقاً..؟
    -نعم..إن شاء الله..
    -قل أنك جاد في ذلك..
    -ما بك غادة..؟
    -قلها أرجوك..
    -أنا جاد في ذلك..هل ارتحت الآن..
    قفزت غادة من على كرسيها و أمسكت كتفي رائف و هي تردد:ألف مبروك يا أخي ألف مبروك..لقد كنت أنوي أن أفاتحك في الموضوع مجدداً لكنني لم أعرف كيف و متى..لقد سهلت علي الأمر كثيراً..حمداً لله ..أخيراً سيعود الفرح إلى بيتنا..حمداً لله..سأذهب لأكلم سامية الآن..
    -على رسلك يا فتاة..لم أخبر أمي بعد..
    -أوتظنها ستمانع..أنا سأخبرها بنفسي..
    -انتظري يا غادة..
    لكن غادة التقطت المفتاح من يد رائف و مضت مسرعة نحو غرفة والدتها و رائف يركض خلفها يرجوها أن تتمهل..
    و ما أن وصلت غادة إلى باب غرفة والدتها حتى أمسك رائف ذراعها مانعاً إياها أن تطرق الباب قائلاً:مهلاً..لا أريدها أن تعرف الآن.
    استدارت غادة نحو أخيها و سألته في عجب:لم...؟
    جذب رائف ذراع غادة مجبراً إياها على السير خلفه و هو يقول:ليس هنا.. ستسمعنا أمي..
    -و لماذا لا تريدها أن تعرف؟
    -ليس الآن..هناك أمر آخر أريد أن استوثق منه قبلاً..
    رمقته غادة بنظرة حائرة وعقبت و هي تدلف إلى غرفتها: أي أمر بالله عليك..أ لم تقل أنك تريد خطبة سامية؟!
    دلف رائف بدوره إلى الغرفة و من ثم أقفل الباب خلفه بإحكام.. و غادة تراقبه في استنكار و تعجب و قد عقدت ذراعاً فوق الأخرى..
    التفت رائف نحوها..و ما أن رأى نظراتها حتى قابلها بالابتسام..
    فردت غادة ذراعيها بقوة نحو الأرض و هي تعقب في انفعال:لم الابتسام ؟! أنت تثيرني..
    اقترب منها رائف و هو ما زال يحمل تلك الابتسامة.. فأشاحت بوجهها جانباً و تنهدت في ملل و من ثم عادت تنظر إليه و هي تقول:هل لي بتوضيح..؟
    توقف رائف أمامها مباشرة و عقب قائلاً:يبدو أنك لا تملكين شخصية قوية و إحساساً مرهفاً فحسب.. بل و فضولية أيضاً..
    -أنت أخي و شأنك هو شأني.. أنا لست فضولية.. أفهمت؟!
    -أوه.. حسناً.. حسناً لا تغضبي.
    -أيهمك حقاً ألا أغضب؟!.
    -بالطبع يهمني.. لأنك أختي.. و على الأخت أن تساعد أخاها.. أليس كذلك؟!
    -رائف.. اختصر و أفصح..
    -أريد أن أعرف رأيها في الأمر أولاً..
    -من ؟.. سامية؟!.. بالتأكيد ستوافق فلن تجد أفضل منك..
    -أريد أن أعرف رأي سامية و ليس رأيك؟
    -رائف؟.. بدأت أغضب.
    -أوه كلا..لا تغضبي فأنا بحاجة لمساعدتك أريدك أن تفاتحي سامية بالأمر و تعرفي ردها.
    -ألست واثقاً من نفسك؟
    -ليس للأمر علاقة بالثقة.. إنها بداية حياة مختلفة و مستقبلية.. و أكبر دليل على ذلك هو أن البعض ينفصلون بعد ارتباطهم و لأسباب غير مفهومة.. مثل ما حدث معك و مع عادل..
    اتسعت عينا غادة فجأة فهي لم تتوقع أن يرد اسم عادل في الموضوع.. و من ثم أشاحت ببصرها و هي تتمتم في خفوت:ما حصل بيننا أمر مختلف.. على كل معك حق ليس للأمر علاقة بالثقة في النفس..
    بدا على رائف التوتر و هو يجيب:آسف يا غادة..فلم أقصد أن أضايقك.. كل ما في الأمر أن.
    قاطعته غادة قائلة: دعنا من الماضي الآن..
    -أ هو مجرد ماض بالنسبة لك؟
    اخترق هذا السؤال أعماق غادة.. و همست تحدث نفسها ليتني أعرف.. ليتني..و لكنها ردت على أخيها في محاولة للتهرب من الإجابة قائلة:ما قصتك يا رائف؟
    -عادل صديقي العزيز..و أنت أختي الصغرى.. لقد كنت أسعد البشر بخطبتكما.. و لكن..
    أجبرت غادة ابتسامة بالظهور على شفتيها و هي تقول مقاطعة:يبدو أنك لم تعد بحاجة لمساعدتي..
    -حسناً.. حسناً سأصمت..متى ستحدثينها..؟
    -متى ما غادرت غرفتي.
    -لك ذلك.. إلى اللقاء.
    مضى رائف مغادراً تاركاً غادة تعيد في أعماقها ذاك السؤال...
    "هل عادل مجرد ماض بالنسبة لي..؟"
    "ليتني أدري.."
    ***************************
    ضربت أصابع غادة رقم هاتف سامية بسرعة.. فلقد كانت تهاتفها كثيراً مؤخراً..
    و ظلت تمسك السماعة لثوان حتى أتاها صوت محدثتها قائلاً:السلام عليكم..
    ابتسمت غادة و هي تجيب:و عليك السلام و رحمة الله و بركاته يا سامية.. كيف حالك ؟
    -بخير و الحمد لله يا عزيزتي.
    -هناك أمر أريد أن أستشيرك فيه.
    -خيراً إن شاء الله..ما الأمر الذي يشغلك يا صديقتي..؟.
    -أخي قرر أن يتزوج..
    -حقاً؟!.. مبروك يا غادة..ألف ألف مبروك..و متى ستخطبون له؟.
    -قريباً إن شاء الله إذا وافقت الفتاة.. أ تظنينها ستوافق على الاقتران بأخي؟
    -رغم أنني لا أعرف من هي إلا أنني أظنها ستوافق..فمن يرفض فتى طيباً و خلوقاً و طموحاً مثل رائف؟!
    -معك حق..كما أنه حنون جداً يا سامية.. و متفهم إلى أبعد الحدود.. إنه شاب رائع بحق..
    -لحظة.. المهم رأي من سيخطبها و ليس رأيك يا صديقتي..
    -أ تصدقين؟..لقد قال لي ذلك أيضاً.
    -من هو؟..رائف؟
    -و من غيره..
    -معه حق إذن.. و من هي سعيدة ال..
    قاطعتها غادة و قد بدا عليها الارتباك:ما رأيك في لندن؟
    -عفواً!
    -أنا أسألك ما رأيك في لندن؟
    -و لم هذا السؤال العجيب؟
    - لأن أخي سيصطحب معه زوجته المستقبلية إلى لندن.. و نحن طبعاً سنرحل معه كما أخبرتك.
    -إذن فأنت بحاجة إلى رأي زوجته المستقبلية لا رأيي أنا.
    -ماذا لو كنت مكانها؟
    -غادة ما قصتك؟
    -أجيبيني فحسب.
    -كنت سأفكر في هذا الأمر.
    -سامية.. أجيبيني إجابة واضحة..
    -غادة أنا لم أعد أفهمك..
    تنهدت غادة و عقبت في حنق:أنا لست جيدة في مثل هذه الأمور..
    -أي أمور؟!
    -الجمع بين رأسين في الحلال.
    -لم أفهم؟
    -كيف أوصل لعروسة أخي المستقبلية رغبة أخي في التقدم لخطبتها؟!
    -كوني طبيعية و هادئة.
    -و هذا ما أفتقده..ليتك تريني أنا متحمسة لدرجة أنني فقدت تركيزي..
    --ليتني كنت أستطيع المساعدة..
    -لكنك تستطيعين فأنت تعرفينها..
    -حقا و إلى أي مدى..؟.
    -أكثر مما تتصورين..
    -شوقتني لمعرفتها..
    -اسمعي يا سامية ما عدت أحتمل..اعترف بأنني لست جيدة في مثل هذه الأمور..
    -لا بأس أخبريني من هي أولاً..و أعدك أن أساندك في الأمر..
    -حقاً؟
    -حقاً..و الآن من هي؟
    -إنها..إنها..
    -غادة.. ما الذي يربكك فهي ليست هنا ؟!
    -كيف ذلك و أنا أحدثها الآن!
    -غادة.. أ تعنين؟
    هتفت غادة و هي تعتصر سماعة الهاتف بقوة:سامية هل تقبلين بأخي رائف زوجاً لك..؟
    تجمدت سامية في مكانها للحظات.. و ضاعت الكلمات من بين شفتيها..بل حتى من ذهنها.. و من ثم ارتسمت ابتسامة على ثغرها و هي تسترجع ما دار بينها و بين غادة من حديث.. و همست: كنت أنا المقصودة.. يا لي من غبية.. كيف لم انتبه.. !
    صعدت الدماء إلى وجهها .. وبدأت صور كثيرة تتدافع إلى مخيلتها .. تذكرت شكل رائف حين لمحته في أيام العزاء .. تذكرت حياءه .. وغضه لبصره .. تذكرت كيف كان يطرق باب غادة ثم يدير ظهره للباب .. وكيف كان يتفانى في خدمة والدته وأخته .. لقد كانت تشعر في تلك الأيام بإعجاب شديد تجاه هذا الرجل الخلوق البار .. وكانت تتمنى لو كان لها أخ مثله .. لكنها لم تتخيل أبدا أن يتقدم لخطبتها .. كم حلمت بشاب ملتزم تزين وجهه لحية كثة .. ويضيء وجهه بنور الإيمان .. أرادت أن تسترسل مع خيالاتها لكنها تذكرت صديقتها المسكينة التي أخذت تصرخ عبر السماعة بقلق و تقول في تتابع:سامية.. سامية هل أنت بخير؟.. أجيبيني بالله عليك
    أجابتها سامية بصوت خافت:أنا بخير يا غادة لا تقلقي..
    تنهدت غادة في عمق و قالت:حمدا ًلله.. ماذا دهاك لقد قلقت عليك؟
    -لقد أفزعتني بصراخك..و فاجأتني بكلماتك.. لم يخطر ببالي لوهلة أنها أنا..
    -أنا آسفة..أخبرتك أنني لست جيدة في مثل هذه الأمور..و الآن ما رأيك؟
    -لست أدري؟
    -و في أي قاموس سأجد تفسيراً لـ (لست أدري)
    -امنحيني بعض الوقت لأفكر..
    -من يرفض شاباً طيباً و خلوقاً.. أليس هذا كلامك؟!.
    -أعلم أنني قلت هذا..
    -إذن أنت بحاجة للتفكير بسبب لندن..
    -الأمر برمته في حاجة إلى التفكير..
    -لا بأس خذي وقتك.. فقط أردتك أن تعلمي أنك ستظلين صديقتي أياً كان ردك...
    -أنا واثقة من هذا.
    -سأتركك الآن لتفكري.. في أمان الله.
    -في أمان الله.
    *********************************
    .
    .

    .

  10. #55
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    الجزء الواحد والثلاثون : شريك العمر </B>

    في تلك الليلة لم تستطع سامية أن تنام .. فقد أخذت الأفكار تتزاحم في مخيلتها .. تماوجت رغباتها وتضاربت .. حتى أصابتها بانزعاج شديد .. فهي لا تريد أن تبتعد عن أهلها كل هذا البعد .. لكنها في نفس الوقت لا تريد أن ترد شابا ترضى منه دينه وخلقه .. خاصة في هذا الزمان الذي يندر فيه الرجال الذين تصح تسميتهم بذلك ..

    شعرت سامية برغبة شديدة تراودها لتكاشف أمها بالموضوع .. فهي من ذلك النوع من البنات الذي لا يجد راحته إلا عند الأم .. القلب الكبير الذي يتفهم ويحنو .. ويتدبر سائر الأمور ..

    لقد بنت والدتها معها صداقة متينة وجسرا لا ينقطع مهما عظمت الأسرار وبدت مستحيلة عن الإفصاح .. فكانت سامية لا تخفي شيئا عن والدتها أبدا .. ولا يهدأ بالها إلا حين تتحدث إليها .. أما والدتها فقد كانت تناقشها في الأمر وحينما تصل معها إلى بر الأمان تتركها لتتخذ قرارها بنفسها ..
    لكن ما يضيق الخناق على سامية هذه المرة .. هو شدة حساسية الموضوع .. إذ كيف تفضي فتاة شديدة الحياء مثل سامية أمر تقدم شاب إليها إلى أمها ؟؟ ذلك أمر لا يكون ..
    تنهدت سامية بعمق ثم قالت لنفسها : لم لا أجرب ؟؟ لربما استطاعت أن تخمن ما بي وتريحني من عناء الشرح ..
    نهضت سامية من فراشها بهدوء .. ولفت نفسها بشال سماوي ثم خرجت من الغرفة .. وتوجهت إلى غرفة الجلوس حيث وجدت أمها تهدهد أختها الصغيرة لتنام .. وقد وضعت أمامها كتابا ضخما أخذت تقرأ فيه ..
    وما إن سمعت حفيف أقدام ابنتها حتى رفعت رأسها وهمست :
    - سامية أما زلت ساهرة ؟؟
    همست سامية بصوت أقرب إلى الوشوشة :
    - لم أستطع النوم .. ألم تنم رلى بعد ؟؟
    - بلى لقد نامت .. احمليها إلى سريرها ثم تعالي ..
    حملت سامية أختها بين يديها بحنان وهي تشعر بالارتباك .. فلقد نادتها أمها وذلك يعني أنها قرأت شيئا ما في وجهها ..
    كادت رلى أن تسقط منها لكنها أمسكت بها بقوة فاستيقظت الطفلة وبكت بينما قالت الأم :
    - سامية .. ما بك ؟؟ هاتيها فأنت لست على ما يرام ..
    جلست سامية على الأريكة تحاول استعادة رباطة جأشها ريثما تعود والدتها .. لكنها أخفقت في كل المحاولات .. وعادت أمها لتجدها كما هي .. مضطربة وقلقة ..
    جلست والدة سامية إلى جانبها وأحاطت كتفيها بيدها وهي تقول :
    - حسنا .. لنرى ماذا أصاب الآنسة سامية ..
    قالت سامية معاتبة :
    - أمـــــــي ..
    ابتعدت الأم قليلا ثم استدارت لتواجه ابنتها وعادت تقول :
    - لم تستطيعي النوم ويظهر عليك الارتباك .. كما أنك كدت تسقطين أختك .. بلا شك لديك ما يقلقك .. هيا تشجعي ..
    - لكنني لا أستطيع .. انه موضوع دقيق و ...
    تأملت والدتها وجهها وهي تكرر وراءها :
    - موضوع دقيق ؟؟
    سادت لحظة صمت ثم ضحكت الأم وهي تقول :
    - إذن لنلعب لعبة ..
    نظرت سامية إلى أمها بدهشة وهي تقول :
    - لعبة ؟؟
    - أجل .. لماذا لا تعطيني أول حرف من الموضوع الذي تريدين التحدث فيه وأنا سأخمن .. وان عجزت تعطيني الحرف الثاني وهكذا ..
    - حسنا .. أول حرف هو ....... خ
    - امممممم خيانة ؟؟
    - هههههه .. لا طبعا ..
    - طيب .. خوف ..
    - كلا ..
    - إذن خصام ..
    - أمي فكري جيدا .. لم أكن لأتحرج من أي من هذه الموضوعات ..
    - حسنا أعطيني الحرف الثاني ..
    - ط ..
    - طاء .. خط .. خطر .. لالا .. أها ..
    حملقت الأم في ابنتها وقد تبينت الأمر .. فأرخت سامية عينيها في خفر ..
    - يا الهي .. سامية .. أحقا ؟؟ تعنين خطبة ؟؟
    أومأت الفتاة برأسها دون أن ترفع عينيها .. فندت عن الأم صرخة خافتة ثم ابتسمت في حنان وأحاطت وجه ابنتها بكفيها .. وهي تقول :
    - كم أنا سعيدة بصراحتك .. هيا .. ارفعي رأسك واحكي لي ماذا حصل .. وكيف عرفت بالأمر قبلنا ..
    - انه أخو صديقتي .. وقد اتصلت بي تسألني رأيي لأنه يكمل دراسته في لندن وسيأخذني معه .. فخشي أن أكون متعلقة بكم وألا أوافق بسبب ذلك .. هذا ما خمنته ..
    - وأنت ما رأيك ؟؟ هل خوفه في محله ؟؟
    قالت سامية بحزن :
    - بكل تأكيد .. هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال .. لكنني محتارة جدا ..
    - اسمعي يا عزيزتي .. عندما أنجبتك كنت أنا الأخرى بعيدة عن أهلي كل البعد .. وقد كان أول ما خطر لي أنك يوما ما ستكبرين وستمرين بنفس تجربتي فكيف سيكون شعوري في ذلك الوقت ؟؟ .. كنت دائما أفكر في أنكم ستبتعدون جميعا .. خصوصا البنات .. وكنت أواجه ذلك بحزن شديد .. لكن ..
    سرحت الأم قليلا ببصرها وهي تتابع :
    - الفتاة مستقبلها مع زوجها إن كانت تريد الزواج .. والشاب مستقبله تحدده وظيفته .. وهذه الأيام تحتم على الرجل أن يبحث عن عمل في كل بقاع الأرض .. وذلك شاق جدا .. خصوصا إن كان وحيدا ... لكن عندما يجد من ترافقه وترعاه وتتحمل معه كل الظروف فان ذلك يقويه ويشد من عزيمته ..
    والفتاة أيضا يحصل معها نفس الشيء .. فحين تجد نصفها الآخر الذي تسكن إليه وتستمد منه الشجاعة والأقدام .. فان ذلك سيزيد من عزمها على النجاح .. لأنها حينها لن تنجح وحدها .. بل ستنجح معها أسرة كاملة .. وحين يتشارك الزوجان في حلو الحياة ومرها .. ويذوقا معا الفقر أو الغربة أو الفشل ويتدرجا معا في الصعود إلى القمة .. يكون ذلك أدوم للعشرة بينهما .. ويحس كل منهما تجاه الآخر بالامتنان .. وبأنه أحسن الاختيار حين انتقى لنفسه رفيقا بمثل هذا الصبر والطموح ..
    التقت عينا الأم بعيني ابنتها فوجدت فيها نفس الإلتماع الذي كانت تراه في عينيها حينما كانت شابة وكانت تعزي نفسها بهذه الكلمات .. فشعرت بحنان جارف واقتربت من سامية وهي تقول :
    - لقد أصبحت ناضجة بما يكفي لتفهمي ما أقول .. إنني لن أقف في طريق نجاحك أبدا حتى لو كان ذلك سيبعدك عني .. فسعادتي تكتمل برؤيتك سيدة مجتمع وداعية عظيمة وربة منزل من الدرجة الأولى .. سواء كان ذلك في لندن أو في غيرها ..
    تمتمت سامية بهمس :
    - أمي ..
    ولم تلبث أنا غابت في أحضانها وعيناها تطفر بالدمع .. لقد فتحت لها والدتها آفاقا جديدة مخفية بذلك مشاعر الحزن التي تحس بها ..
    ولما فتحت الأم قلبها لابنتها لم يكن أمام الابنة إلا أن تقابل الإحسان بالإحسان .. وتحكي لوالدتها كل شيء ..
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    جلس رائف مع والد سامية وأخويها يتحدثون في أمور شتى .. وفي الغرفة المجاورة جلست الأمان معا .. أما غادة فقد كانت في غرفة سامية تساعدها في ترتيب نفسها واختيار الأنسب نظرا لأنها تعرف ذوق أخيها ... وقد انتقدت أم غادة ذلك بشكل حاد لأنه يخالف العادات .. لكن غادة لم تكن تبالي بشيء من ذلك أبدا ..
    نظرت غادة إلى
    سامية بإعجاب وهي تقول :
    - لم أرك يوما أجمل منك الآن ..
    - شكرا .. هذا بفضل نصائحك ..
    كانت سامية قد ارتدت ثوبا أبيض يتكون من طبقتين .. طبقة بلون الحليب وطبقة أخرى فوقها من الشيفون الأبيض الشفاف .. وقد زينت هذه الطبقة بورود ليمونية باهتة .. وكان للثوب ذيل جميل يزحف وراءها كلما تحركت .. وله أكمام تضيق من ناحية الكتف ثم تأخذ في الاتساع حتى تصبح فضفاضة من ناحية الرسغ .. بينما أسدل الشعر الكستنائي على الكتفين وزين بفراشات بيضاء متناهية في الصغر ..

    - هل أنت مستعدة ؟؟
    وضعت سامية يدها على قلبها وابتسمت وهي تهمس :
    - كلا أنا مرتبكة جدا ..
    - سبحان الله .. أنا لا أذكر أن قلبي خفق خفقة واحدة في ذلك اليوم ..
    - معقول ؟؟
    - المسألة مسألة خجل يا عزيزتي ..
    - أتقصدين أنك ..
    - نعم أنا لا أخجل من الرجال .. دعينا من هذا الآن .. ستدخلين شئت أم أبيت .. من حسن حظي أني سأكون هناك ..
    - ومن حسن حظي أيضا فان وجودك سيخفف من وطأة اللقاء ..
    - وطأة ؟؟ استر يا رب .. لو سمعك رائف لولى مغضبا ..
    - لا لم أقصد ذلك أبدا انــ ..
    قاطعتها غادة وهي تدفعها أمامها قائلة : هيا هيا .. لا تكثري من الحديث فرائف ينتظر على أحر من الجمر ..
    - لحظة .. يجب أن أخبر أمي أولا ..
    - حسنا سأناديها ..
    وتوجهت غادة إلى حجرة الضيوف وهمست في أذن أم سامية :
    - خالتي .. سامية تريدك ..
    نهضت الأم وهي تقول :
    - عن إذنكم ..
    ثم توجهت إلى غرفة ابنتها حيث وجدتها عند الباب فقالت :
    - ما الخطب ؟؟
    - أمي أنا جاهزة ..
    - رائع .. إن ذوق غادة فريد فعلا على ما يبدو ..
    - أجل يا أمي .. إنها رائعة ..
    - حسنا سأكلم والدك الآن ..
    - ماما أنا خائفة ..
    - حبيبتي .. اذكري الله واستعيني به تطمئني ..
    ثم تحدثت الأم إلى زوجها فطلب من رائف أن يتفضل إلى الحجرة المجاورة حيث تجلس أمه وأخته ..
    وتحرك الشاب المتأنق وقلبه يكاد يخرج من مكانه .. وتمتم لنفسه : يالها من لحظة .. ينقلب فيها الرجل إلى طفل صغير ..
    وجلس على حافة الأريكة وهو متحفز فعلقت غادة ساخرة :
    - ستسقط بالتأكيد .. ارجع إلى الخلف ففي الأريكة متسع ..
    نظر إليها معاتبا ولم يعلق كعادته .. بل نفذ أمرها بصمت .. وفي تلك اللحظة فتح الباب ودخلت سامية وهي تهمس : السلام عليكم ..
    اختطف رائف نظرة سريعة ملأت قلبه بالفرح ثم غض بصره وهو يرد : وعليكم السلام ورحمة الله ..
    واقتربت سامية بكأس العصير وهو يهتز وقربته إليه فلم يرفع عينه لكنه لمح يدها النحيلة .. ثم التقط الكأس وقال : شكرا ..
    كانت غادة تتأمل كل ذلك بسرور عظيم .. ثم رأت سامية تقترب منها وتجلس بجوارها وكأنها تلتمس عندها الأمان ..

    مضت لحظات .. رفع رائف بعدها نظره فوجد سامية تطرق برأسها وكأنها تستجدي الأرض أن تبتلعها .. فانتهز الفرصة وشملها بتأملاته فخفق قلبه بعنف وهتف في أعماقه .. نعم هي ما أريد .. لا سبيل للتراجع ..
    تحامل على نفسه ليتحدث فبدأ قائلا :
    - كيف حالك ؟؟
    رفعت سامية وجهها ونظرت إليه ثم أطرقت ثانية وهي تقول :
    - الحمد لله ..
    - أنت تخرجت من قسم الصيدلة صحيح ؟؟
    - أجل ..
    - ألا تنوين إكمال دراستك ؟؟
    - إن توافرت الفرص فليس هناك ما يمنع ..
    ابتسم رائف وقد بدأ الاضطراب ينزاح عنه شيئا فشيئا .. وداخله شعور بالأنس فسألها :
    - ما رأيك بالمغتربين ..
    اختلست سامية نظرة إلى غادة فوجدتها تبتسم .. ثم نظرت إلى رائف وقالت :
    - أرى أن لديهم فرصة عظيمة للدعوة لا تتوفر لغيرهم .. وعليهم أن يستغلوها خير استغلال ..
    وحين التقت النظرات .. تبادلت الكثير من المعاني .. وتفاهمت بشكل أكبر ..
    عندها فقط أخرج رائف علبة مربعة من جيبه وناولها لأمه .. فنهضت وجلست بقرب سامية وألبستها السوار الذي كان بداخل العلبة ثم قبلتها وهي تقول بفرح يطفح على وجهها : مبروك يا ابنتي ..
    فهمست سامية : الله يبارك فيك ..
    وانطلقت زغرودة من الأم رغما عنها فابتسم رائف .. وألقى نظرة أخيرة على سامية .. فبادلته ابتسامته ثم خرجت من الغرفة كالبرق ..
    وحين نظر رائف إلى غادة .. تفاجأ برؤية الدموع في عينيها .. فأجفل وقال :
    - ما بك ؟؟
    - ليت رهف كانت معنا .. لكانت سعادتها ستطغى علينا جميعا حين ترى أخاها يتزوج صديقتها المفضلة .....
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    .
    .

    .

  11. #56
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    الجزء الثاني و الثلاثون (وداعاً أيها الماضي)

    أشرقت الشمس معلنة ولادة يوم جديد و سعيد.. و أقبلت تحتوي الأرض بنورها الذهبي كأم حنونة.. وقد أرسلت في الفضاء دفئاً و نوراً بلا حدود.. و على عجل تسللت أشعتها عبر زجاج النافذة إلى الغرفة.. غير آبهة بقماش الستارة الثقيل.. و مضت تجوب المكان في بهجة طفل صغير.. قبل أن تداعب وجه سامية في محاولة لإيقاظها من النوم..
    فتحت سامية عينيها في بطء شديد.. و تطلعت إلى الساعة القابعة بجوارها.. و من ثم تحسست بيدها المنطقة المجاورة لها من السرير.. فبدت لها خالية.. عندها اعتدلت سامية بحركة حادة.. و جابت ببصرها أنحاء الغرفة و هي تتمتم:عجباً أين هو؟!
    غادرت سامية سريرها متجهة نحو النافذة.. أزاحت بعضاً من أجزاء الستارة جانباً و ألقت نظرة عبر الزجاج و قد ارتسمت ابتسامة على شفتيها.. و بدأت تتسع شيئاً فشيئاً و هي تهمس:ما زلت لا أصدق.. و كأنني أعيش حلماً جميلاً.. لقد مضى أسبوع كامل على زواجنا أنا و رائف.. ياه ما أسرع الأيام!.. لقد بدت لي كساعات معدودة.. بل ثوان.
    مضت سامية تستبدل ثيابها و تسرح شعرها.. و ما أن انتهت حتى ألقت نظرة مطولة على مظهرها في المرآة و هي تسترجع ذكريات الأسبوع الأخير في مخيلتها.. و عقبت قائلة:الحمد الله.. إنه واقع رائع.. يفوق جمال الأساطير.. الحمد الله.
    تعالى طرق على الباب.. فهتفت سامية في حنان:أدخل يا رائف..
    دلف رائف إلى الحجرة.. و أغلق الباب خلفه و هو يقول: كيف حال وردتي اليوم؟
    ابتسمت سامية و هي تجيب:بخير..ما دام هناك رائف ليسقيها بحبه.
    ابتسم رائف بدوره و قد تعلق بصره بسامية.. و عقب قائلاً: تبدين اليوم جميلة جداً.. كفتاة من دنيا الحكايات.
    توردت وجنتا سامية خجلاً.. و عقبت في خفوت:أنت تقول ذلك كل يوم.. أواتفعل ذلك لتسعدني؟!
    اقترب رائف منها و أمسك كفيها و هو يعقب في حنان جارف:هذه حقيقة يا سامية.. فأنت عالم من الجمال و الحنان و الحب.. وردة أشرقت في حياتي.. و سأظل أحتويها بين ذراعي حتى لا تذبل أبداً.
    نظرت سامية إلى عيني رائف و قلبها الغض يرقص فرحاً في أعماقها.. عالمها كله يبتسم الآن أمامها.. و في صورة رجل لطالما حلمت به.. في رائف.
    أطلقت سامية ضحكة هادئة و من ثم عقبت قائلة و نظرات رائف المحبة تحتويها: كم أنت رائع يا رائف!.. كلماتك صنعت لي جناحين.. و علمتني كيف أطير في حياة تنبع بالأمل و الحب و السعادة.. كيف تفعل ذلك؟!
    اتسعت ابتسامة رائف و هو يعقب قائلاً:ذلك لأن الكلمات لا تنبع من لساني..
    عقبت سامية بدورها قائلة:من أين إذن؟!
    ضم رائف كفي سامية بين كفيه و حملهما في ببطء و من ثم أشار بهما إلى قلبه.. بينما تابعته نظرات سامية حتى توقفت حيث أشار.. فهمس رائف قائلاً:أحبك يا سامية.
    رفعت سامية بصرها نحوه و عقبت في سعادة:و أنا أحبك أيضاً يا رائف.. و سأظل أحبك لآخر يوم في حياتي.
    مرت دقائق من الصمت و إن كانت نظراتهما تتحدث بآلاف الكلمات.. بكلمات يعجز عن وصفها لسان.. لأنها تذوب في القلوب.. بقوة و سلاسة.
    و في محاولة لإزالة ذلك الصمت قالت سامية:و الآن أين كنت يا زوجي الحبيب؟
    ضحك رائف و عقب قائلاً:أسبح في أعماق خيالك.. و أغوص في بحور حبك.
    عقدت سامية ذراعيها و هي تقول:و ماذا وجدت؟!
    -وجدت كل ما أبحث عنه.. في قلب نابض و روح رائعة.. فيك يا زوجتي الحبيبة.
    ضحكت سامية و من ثم عقبت قائلة:رائف بالله عليك إلى أين ذهبت هذا الصباح؟
    -أخبرتك..لقد كنت أسبح في.
    قاطعته سامية قائلة:رائف أرجوك.
    -يا إلهي.. أنت تشبهين غادة إلى حد ما.
    -و غادة تقول بأنني أشبهك.
    -اليوم عرفت كم غادة تحبني.. إذ جمعتني بك.
    -و جمعتني بك.. رائف.. أنت ربيع عمري كله.. حبي الأول و الأخير.
    -حقاً؟!
    -أوفي ذلك شك يا فارسي.. و الآن أين كنت؟
    -يا إلهي كم أنت عنيدة!
    -رائف.. إلى متى علي أن انتظر الإجابة؟!
    -حسناً.. لقد ذهبت لشراء تذاكر السفر.
    -سبحان الله.. الوقت يمضي سريعاً.. و دون أن نشعر به.
    -كنت أنوي أن أخبرك حالما وصلت.. و لكني خشيت أن تضيع ابتسامتك من على ثغرك.
    -ما دمت بجواري فلن تضيع ابتسامتي إن شاء الله.
    تعالى صوت الطرق على الباب مجدداً.. و لكن الطارق هذه المرة كان يطرق بشدة.. مما جعل رائف يمضي مسرعاً نحو الباب.. و يفتحه بحركة حادة.. و ما أن وقع نظره على الطارق حتى هتف في قلق:غادة ما الأمر؟.. هل حصل شيء؟
    و استدركت سامية بدورها و قد انتقل إليها قلق رائف:ما الأمر يا غادة؟
    التقطت غادة أنفاسها في عجل و أجابتهما بصوت متقطع و هي تشعر بنظراتهما تحاصرها في حيرة: هيا تعالا معي بسرعة.. فهناك مفاجأة تنتظركما في الأسفل.
    عقب رائف في استنكار:مفاجأة؟!
    جذبت غادة سامية و رائف ليتبعاها و هي تجيب أخاها في حماس شديد: نعم إنها مفاجأة رائعة.. هيا بالله عليكما أسرعا.
    التفت رائف نحو سامية في عجب.. ليقابله وجه سامية الذي حمل العديد من التساؤلات.. و مضى الاثنان خلف غادة التي كانت تسير بسرعة.. و كل الحماس يغمرها.. حتى وصلت إلى باب الفناء الخارجي.. عندها فتحت الباب بقوة و على مصراعيه و هي تهتف في سعادة:ما رأيكما؟
    ما أن وقع بصر سامية و رائف على ذلك الصندوق الخشبي الضخم.. حتى هتفا معاً و في آن واحد:مستحيل!
    ضحكت غادة ضحكة قصيرة.. و مضت تقترب من ذلك الصندوق بخطى بطيئة و هي تقول:هل فاجأتكما؟
    سألها رائف في حيرة:غادة.. هل هذا هو البيانو الذي كان في غرفتك؟
    عقبت سامية بدورها قائلة و هي تهز رأسها نفياً:لا أظن يا رائف.. ربما كان يشبهه فقط.
    ربتت غادة على سطح الصندوق الخشبي و عقبت في نشوة:لقد أزلت مفاتيح العزف.. و أزلت الأوتار أيضاً.. باختصار أزلت كل ما فيه من أدوات و معدات.. و ذلك بمساعدة مختص طبعاً.. و أبقيت هيكله العام كما هو.. و من ثم اتفقت مع منسق للحدائق.. فأبقينا غطاء البيانو العلوي مفتوحاً و من ثم ملأنا الجزء الداخلي من البيانو بتربة زراعية.. و زرعنا فيها هذه الشتلات الملونة الرائعة.. و كذا فعلنا بالمسار العميق الناتج عن إزالة مفاتيح العزف.. ما رأيكما الآن بهذه الهدية؟
    اقتربت سامية من ذلك الصندوق و هي تهتف في سعادة: يا لها من هدية رائعة يا غادة.. بل مذهلة.. الآن فقط فهمت لماذا كنت لا تسمحين لنا بدخول غرفتك مؤخراً.. حتى لا نكتشف غياب البيانو.
    عقب رائف بدوره في اندهاش:إنها تحفة رائعة بحق.. كيف فعلت ذلك؟
    ابتسمت غادة في حبور وعقبت قائلة:أ نسيت أنني طالبة في كلية التربية الفنية؟
    و من ثم وضعت غادة يديها على خصرها و أكملت قائلة:كما أن هناك شيئاً مهماً لم تعرفه عني بعد يا أخي العزيز.
    وضع رائف يديه على خصره بدوره و هو يجبها قائلاً:و ما هو يا أختي العزيزة؟
    ضحكت غادة و عقبت قائلة:أنت أمام فتاة عبقرية تحمل اسم غادة.
    مط رائف شفتيه و عقب قائلاً: حقاً؟!.. إذن فأنت ورثت العبقرية مني.
    اقتربت سامية من غادة و أحاطتها بذراعها و هي تقول:أنت مخطئ.. لا أحد يمتلك عبقرية غادة.. فهي فتاة بارعة بحق.. و خير دليل على ذلك هديتها المدهشة.
    ابتسمت غادة ابتسامة هادئة و عقبت في خفوت:حمداً لله أنها قد أعجبتكما.. كان علي أن أقدمها لكما ليلة زفافكما.. و لكنها كانت تحتاج إلى بعض الوقت حتى تكتمل.
    أجابتها سامية في حنان:و لكنك قدمت لكلينا هدية لا تقدر بثمن منذ زمن.
    سألت غادة في استنكار:حقاً.. و ماذا قدمت لكما يا ترى؟
    اقترب رائف من أخته و همس قائلاً:جمعتنا أنا و سامية معاً.. و هل مثل هذه الهدية يقدر بثمن؟!
    عقبت سامية في خفوت:بالطبع لا.
    أدارت غادة ببصرها بينهما و من ثم عقبت قائلة:بل أنا المحظوظة بكما و بأمي.. فأنتم هديتي..
    و سعادتي..
    و عائلتي كلها.
    *************************
    تقلبت غادة في فراشها عدة مرات.. و من ثم رمت نظرة سريعة على ساعة يدها و تمتمت في ضيق:إنها الثانية صباحاً و لم أنم بعد..
    غادرت غادة سريرها.. و مضت تجوب غرفتها في خطى بطيئة.. و قد تركت أناملها تسبح هنا و هناك.. بينما بدأ عقلها يترجم كل شيء يقابلها إلى ذكرى.. حتى وصلت إلى حقيبتها التي أعدتها للسفر.. ألقت عليها نظرة مطولة.. و من ثم تنهدت في حزن.. و بدأت تمسح سطحها الجلدي بكفها و هي تحدث نفسها:لا أصدق أنها ليلتي الأخيرة هنا.. غداً أغادر غرفتي.. بيتي.. وطني.. إلى عالم آخر.. بعيد جداً.. و لكني سأحمل ذكرياتي معي.. و سيظل الحنين يرافقني إلى أن أعود.. حتماً سأعود يوماً.. إن شاء الله.
    تنهدت غادة مرة أخرى.. و أدارت ببصرها في أنحاء غرفتها.. حتى وقع بصرها على خزانة ملابسها.. فمضت نحوها تجر الخطى.. و اقتربت يدها من مقبض الخزانة.. لكنها عادت إلى الخلف في حركة حادة.. أشاحت غادة ببصرها بعيداً و هي تتمتم: آه يا خزانتي.. جمعت في داخلك ذكريات شتى.. و بصور متعددة.. ماض أليم.. أتمنى أن أنساه.. و أتوق لذكراه.. عجباً لي!.
    عادت غادة تنظر لخزانتها و من ثم استجمعت شجاعتها و فتحتها قائلة:و لن أغادر حتى أضع حداً لهذا التناقض.
    و من ثم أخرجت صندوقاً صغيراً من أحد أدراجها و هي تكمل:إن كنت سأبدأ حياة جديدة.. فلأبدأها بشجاعة.
    أزالت غادة غطاء الصندوق و عقبت في خفوت:و بمواجهة أخيرة..مع الماضي.
    أخرجت غادة ظرفاً بني اللون من صندوقها.. و فتحته ببطء شديد.. و بنفس ذلك البطء أخرجت محتوياته التي كانت مجموعة من الصور الفوتوغرافية.. صور لها مع ربيع.. و أخرى مع عادل.. و بدأت تقلبها بين يديها.. فأمطرت الذكريات عليها من كل صوب.. لترتسم ابتسامة على شفتيها.. لا تلبث أن تمحى بزفرة حادة.. و فجأة سقطت الصور من بين يديها.. و عقبت و هي تهز رأسها في عنف:لا.. لا يحق لي النظر إلى هذه الصور.. ربيع وعادل غادرا حياتي للأبد.. و أصبحا رجلين أجنبيين بالنسبة لي.. صورهما باتت ماض لا يحق لي الاحتفاظ به.
    أخذت غادة تلتقط صورة تلو أخرى من على الأرض.. لتمزقها في عجل.. و قلبها يخفق بقوة.. و تناثرت الأجزاء الممزقة هنا و هناك..
    عادت غادة إلى صندوقها.. و أخذت تبحث فيه عن صور أخرى لتمزقها.. و لكن بصرها و قع على ذلك العقد الماسي.. هدية عادل الأخيرة لها.. فحملته بين كفيها.. و مضت به نحو المرآة.. و لبسته حول عنقها.. و تحسسته بأطراف أصابعها.. و أغمضت عينيها و هي تستعيد كلمات عذبة من الماضي.. كلمات عادل..
    "كم أنت رائعة يا أميرتي".
    أطلقت غادة زفرة حارة و هي تقول في أسى:أه يا عادل.. كم أخطأت في حقك.. و في حق نفسي.. لطالما تساءلت عن ذلك الشعور الذي يكنه لك قلبي.. أعلم أنك أحببتني.. و لكنني بعت ذلك الحب بحب زائف.. ما أغباني.. أضعتك من أجل إنسان لا يحمل من الإنسانية إلا الاسم فحسب.. ليتك أخذتني معك يومها.. ليتك لم ترحل و تتركني.. أنت لم تخسر يا عادل.. أنا من خسر.. كيف لا و قد خسرت قلباً أحبني حتى النخاع!
    اتجهت غادة نحو خزانتها.. و أخرجت منها الفستان التفاحي اللون الذي أهداه لها ربيع.. و أمسكته بيديها و هي تردد في صوت مخنوق:عندما رأيتك لأول مرة شعرت بسعادة تغمرني.. تحلق بي فوق الغيوم.. و همست لنفسي.. مبارك يا غادة.. قد عاد حبك.. يبدو أن الحياة ستبتسم لك أخيراً.. اليوم فقط عرفت الحقيقة.. لقد كنت أول خيوط اللهب التي أحاطت بي لتحرقني.. لتقتلني ببطء.. لتسلبني أغلى ما أملك.. أختي.. و حياتي.. و حبي.
    ابتسمت غادة في سخرية و هي تكمل: لا أعرف كيف صدقتك يا ربيع.. لا أعرف كيف أسرتني كلماتك.. لم دمرتني؟..لم أحلتني في لحظة من اللحظات إلى رماد؟.. حبك مات في قلبي.. بل أنا من خنقه في مهده.. أوهمت نفسي أنني أحبك.. كذبت على قلبي و قلبي صدق الكذبة.. كم أكرهك يا ربيع.. كم أكرهك.. لم دمرتني؟..لم فعلت ذلك بي؟.
    و أخذت غادة تهز الفستان بقوة و صوتها المخنوق يعلو شيئاً فشيئاً:لم فعلت ذلك؟.. أجبني.. أجبني أيها المخادع.. نعم مخادع.. خدعتني بكلماتك.. ألم تقل لي كم أبدو جميلة في الفساتين الضيقة والملابس العارية القصيرة؟!.. حتى أنك بدأت تهديني إياها.. ألم تعلم أصابعي العزف على البيانو؟!.. حتى غدوت أعزف لك في كل يوم مقطوعتين أو ثلاث.. ألم تحملني على كشف وجهي كلما رافقتك في نزهة؟!.. أحطتني بالأغاني.. رجوتني أن أرقص حتى باتت تلك عادتي.. ماذا جنيت منك يا ربيع؟!.. لقد جذبتني نحو الهلاك.. نحو الظلام.. حتى كدت أن أقع في الهاوية.. و أنا بغبائي تبعتك.. صماء.. عمياء.. أسمع بأذنيك.. و أرى بعينيك.. ماذا فعلت بي يا ربيع؟!.. حرقت أيامي و كدت تحرقني.. أي إنسان أنت؟!.. أتكون من شياطين الإنس؟!.. أجبني يا ربيع.. لم هويت علي بالطعنات؟!.. أجب قلباً وأدته.. أجبني.
    ركضت غادة نحو مكتبها.. و تناولت من أحد أدراجه مقصا ًحاداً.. و هوت به على الفستان التفاحي.. حتى أحالته إلى قطع قماش بالية و هي تصرخ:كم أكرهك يا ربيع..كم أكرهك..
    رمت المقص جانباً.. و دموعها تهطل سيلاً جارفاً على وجنتيها.. و بدأت تمزق ما بقي منه بيديها و هي ما زالت تردد:كم أكرهك يا ربيع.. لم أعد بحاجة إليك.
    و عندما لم يبقى من الفستان شيء تستطيع أن تمزقه.. أمسكت بالعقد الماسي الذي كان يحيط بعنقها.. و جذبته بقوة.. و من ثم نظرت إليه في تحد و هي تقول: سأدمر ماضي الحزين كله.. سأعيش حياة بلا ربيع.. و بلا عادل.
    و رفعت يدها بغية أن تلقي بالعقد عبر النافذة.. لكن يدها توقفت حيث هي لحظات.. لتنطلق كلمات خافتة من ثغر غادة: لن أستطيع.. لن أكذب على نفسي مجدداً.. لن أنساك يا عادل ما حييت.. لأنني.. لأنني..
    ضمت غادة العقد إلى صدرها و أخذت تبكي بحرقة و هي تقول: لأنني أحبك.. أحبك.. تأخرت كثيراً حتى عرفت حقيقة مشاعري.. عرفتها في وقت لم يعد فيه من حقي أن أحبك.. أنا آسفة يا عادل.. آسفة.
    مسحت غادة دموعها.. و مضت نحو نافذة غرفتها.. و ما أن فتحتها حتى عبأت رئتيها بالهواء.. و رسمت ابتسامة واهنة على شفتيها و هي تتمتم: كان علي أن أواجه الماضي بحلوه و مره.. فهناك حياة جديدة تماماً في انتظاري.. و علي أن أواجهها بقوة و إيمان.. أعدك يا نفسي.. لن أخذلك ثانية.. أعدك.
    أسرعت غادة ترتب غرفتها.. و ما أن انتهت حتى أقبلت نحو العقد الماسي.. و وضعته داخل حقيبة السفر.. و بجانب شريط رهف و هي تهمس: يبدو أنك سترافقني في رحلتي أيها العقد.
    و مع حروف كلماتها الأخيرة ارتفع آذان الفجر.. فأقبلت غادة نحو نافذتها.. و أخذت تردد خلف المؤذن في خشوع حتى انتهى.. كلمات عذبة تذوب في أعماقها.. نداء يبدد سكون الليل.. لتعلن ولادة يوم جديد.
    و من أعمق أعماقها دعت الله أن يوفقها في رحلتها.. و أن يهديها لما فيه الخير و الفلاح.. في الدنيا و الآخرة..
    و برغم من أن دموعها عادت لتسقط من جديد..
    إلا أن شعوراً بالراحة و الأمان غمرها..
    مع نسيمات الفجر الأولى..
    *******************************
    غادرت غادة غرفتها.. و مضت لتنزل الدرج.. لكنها توقفت فجأة و اتجهت إلى غرفة رهف القابعة في نهاية الممر.. و ما أن وصلت حتى فتحت باب الغرفة بهدوء.. و جابت بنظرها هنا و هناك.. و أخيراً تنهدت في أسى.. و همست قائلة: يبدو أن وقت الرحيل قد حان.. لا تقلقي يا رهف سنصطحبك معنا.. فحبك سيظل في قلوبنا.. إلى الأبد.
    وصل لمسمعي غادة صوت رائف يستعجلها في النزول.. فأقفلت باب الغرفة و مضت مسرعة لتركب السيارة بصحبة سامية و والدتها.. و رائف طبعاً.. و بينما كانت السيارة تسير في شوارع المدينة.. تعلق بصر غادة بالنافذة.. فكل ما كان يمر بها في طريقها كان يشعل في قلبها قناديل الحنين و الحزن من أجل الفراق.. هنا كتبت قصة حياتها.. هنا عاشتها لحظة بلحظة.. منذ ولادتها و إلى اليوم.. هنا عرفت الحب.. و الأخوة.. و الصداقة.
    وقفت السيارة.. و غادرها الجميع إلى داخل المطار.. و على نحو سريع أنهى رائف إجراءات السفر.. و ما هي إلا دقائق حتى كانت غادة فوق مقعدها في الطائرة المتجهه إلى لندن.
    تلاحقت أنفاسها.. فربتت سامية على كتفها في حنان و هي تقول:ما بك يا غادة.. هل أنت خائفة ؟!
    ابتسمت غادة و عقبت:ربما قليلاً.. ماذا عنك؟
    -أنا أيضاً أشعر ببعض الخوف.. و الحزن أيضاً.. فنحن سنغادر عالمنا إلى عالم آخر غريب عنا..
    -و بعيد أيضاً.
    -بدأت أفتقد أهلي.. إخوتي و أبي.. و أمي.
    -انتظري قليلاً فلم نقلع بعد.
    -لا أستطيع.. بدأت اشتاق لكل شيء.. حتى هديتك.
    -هديتي؟!
    -كان بودي أن آخذها معي.. و لكن ذلك صعب جداً بسبب حجمها.. لذا طلبت من أمي الاعتناء بها إلى أن نعود.
    -و ماذا لو أسرتنا أرض الغربة للأبد..؟
    -مستحيل.. فجذورنا هنا.. و ماضينا هنا.. و أحلامنا ستزهر حتماً هنا..
    -معك حق..
    -أدعو الله أن يساعدنا في نشر النور.. و أن يعيد الحياة إلى كثير من القلوب بعبق الإسلام.
    -أميين..
    -أميين..
    أقلعت الطائرة.. و بدأت ترتفع شيئاً فشيئاً.. عندها سمعت غادة صوت بكاء خافت.. فالتفتت إلى مصدره لتجد أمها تذرف الدمع غزيراً.. فمالت غادة نحوها و همست قائلة :لا تبكي يا أمي.. فدموعك غالية.
    عقبت الأم بصوت متهدج:ليس بيدي يا بنيتي.. ليس بيدي.
    مالت غادة أكثر و هي تمسك بكفي والدتها و تضمهما في حنان بين كفيها: سنعود يوماً ما يا أمي..إن شاء الله.. لا تبكي.. بل ادعي لنا بالتوفيق.. أرجوك يا أمي كفكفي دموعك.
    هتفت الأم و الدموع لا تفارق عينيها:أسأل الله أن يبارك لنا حيث ذهبنا.. و أن يرزقنا الصبر على فراق الأحبة.. و أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه.
    عقبت غادة في خفوت: أميين.
    و أشاحت ببصرها نحو النافذة.. لتراقب مدينتها التي أخذت تصغر و تصغر.. حتى اختفت تماماً.. عندها لم تستطع غادة أن تحبس دموعها أكثر.. فغادرت دموعها المقل..
    بينما همس لسانها..
    إلى اللقاء يا أرضي..
    يا ذكرياتي..
    يا حبي..
    يا نبضي..
    يا كل عمري.
    *********************************
    .
    .

    .

  12. #57
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    الـنهـايــــــــة

    أغلقت أسيل دفترا ضخما ذا لون عودي .. مكتوب عليه ( مذكرات ) .. وتنهدت بعمق وهي تنظر إلى الدفتر بتمعن ثم همست : يالها من حياة ..

    حملت الدفتر بين ذراعيها وتوجهت إلى غرفة في العلية وطرقت الباب وهي تقول :
    - عمتي هل تسمحين لي بالدخول ؟؟
    - طبعا يا حبيبتي .. تفضلي ..
    ولجت أسيل إلى الغرفة بهدوء ثم أغلقت الباب وهي ما تزال متشبثة بالدفتر .. قالت :
    - لقد أنهيت قراءته كله .
    نظرت عمتها غادة من فوق عويناتها إليها وابتسمت قائلة :
    - وما رأيك ؟؟
    تقدمت أسيل ووضعت الدفتر على الطاولة التي كانت غادة تمدد قدميها عليها ثم جلست على الأريكة وهي تقول :
    إن لك حياة حافلة يا عمتي .. الآن عرفت لم تملكين هذا العزم وهذه القوة .. لقد صقلتك الأيام .. لكن ..
    - لكن ماذا ؟؟
    - كأن هناك شيئا ناقصا .. بل أشياء .. هناك فترة من حياتك لم تكتبي عنها أو .. ربما تعمدت الإبهام حتى لا نفهم شيئا ..
    ابتسمت غادة وهي تتأمل ابنة أخيها رائف .. وقالت :
    - أنت ذكية جدا يا أسيل .. لا يخفى عليك شيء ..
    ثم نظرت إلى الأوراق التي أمامها بشرود .. ولوهلة ظنت أسيل أن عمتها ستتجاهل الأمر .. لكن غادة ما لبثت أن رفعت بصرها وقالت وقد بدى عليها الهم :
    - أسيل حبيبتي .. هناك أمر لابد أن تفهميه .. كل إنسان لديه شطحات في حياته .. ربما كانت هفوات صغيرة .. وربما كانت كوارث .. ربما اعتبرها هو خطأ عظيما لم يقترفه أحد سواه وخجل منها .. رغم أنها قد لا تكون في نظر الناس بهذه الفداحة ..
    في مطلق الأحوال ما يمكن أن نسميه خطأ في الشرع فلابد أن يخفى .. أتعرفين لماذا ؟؟
    - لا ..
    - لأنه إن تحدث بها ونسبها إلى نفسه .. فسيكون قد هتك ستر ربه له .. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) يعني كل الناس من الممكن أن يتوبوا ويقلعوا عن المعاصي إلا الذين يجهرون بمعاصيهم ويتحدثون بها كواقع أو عادة أو مصدر للفخر .. فهؤلاء لا يعافون من مرضهم هذا ويفضحهم الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ..

    تطلعت أسيل إلى عمتها في خوف .. كانت تراها ملاكا لا يخطئ أبدا .. اتخذتها قدوة منذ أن رأت النور .. وأعجبت بشخصيتها وتمنت أن تصبح مثلها .. لكن هاهي الحقائق تتكشف بغموض .. ان عمتها الآن تعترف أن ماضيها تلوث بشيء ما .. وترفض أن تحدد ما هو هذا الشيء .. عمتها الفاضلة فعلت شيئا خاطئا .. يا للحقيقة المرة ..

    فهمت غادة ما يدور في ذهن أسيل .. وشعرت بالاهتزاز الذي سببته لها كلماتها .. فابتسمت ومدت لها يدها لتقترب ..
    نهضت أسيل وجلست جوار غادة فأحاطت الأخيرة كتفيها بذراعها وهي تقول :
    - أسيل .. ما كنت لأقول هذا إلا لأنك أسيل .. أنت لست ساري ولا قصي .. أنت أسيل .. الفتاة الرقيقة التي تخطو إلى النضوج بسرعة .. الفتاة التي أرى فيها كل آمالي التي لم أستطع الوصول إليها .. كلما نظرت إليك تذكرت نفسي عندما كنت في مثل سنك .. وحمدت الله لأنه أحاطك بأناس على قدر كبير من الوعي ليبصروك حين يضعف بصرك .. لقد وهبك الله والدين قمة في الأخلاق والتعقل والالتزام .. لكنني أردت أن أوصل لك مفهوما جديدا .. إن لم ينبع الالتزام من قلبك فقد تزل قدمك حتى لو أحطت نفسك بكل هذه الأسوار .. بالتأكيد أنت أفضل من غيرك لأن لديك من تسندين له ظهرك .. لكن ذلك لا يمنع أن تخور العزيمة يوما ما .. لابد أن تعي كل شيء في هذه الدنيا .. حتى لا تفتني حين تري أهل الفجور يمرحون فتميل نفسك لمثل هذا المرح .. حين يقل وعيك بأثر الذنب وحرقة الإثم بعد اقترافه تزيد رغبتك في مغادرة عالمك الصالح إلى عالم هؤلاء الذين يتظاهرون بالسعادة ليخدعوك وما ذاقوا السعادة قط .. من أجل ذلك فقط سمحت لك أن تقرئي مذكراتي .. لكن هناك أشياء من الصعب أن تجاوز ذاكرتنا إلى عقول غيرنا .. ولا أستطيع أن أوضح أكثر ..

    نظرت أسيل إلى عمتها بحب وقد شاع الاطمئنان في قلبها قليلا .. وقالت :
    - عمتي أنت قلت أن الله وهبني والدين عظيمين .. وأنا لا أنكر ذلك .. لكنك لم تقولي بأن الله وهبني عمة رائعة هي أغلى هبة قدمها الله لي ..
    احتضنت غادة ابنة أخيها وقد اجتاحتها الذكريات مجددا .. آه يا أسيل .. لو رأيت عمتك رهف .. لأحببتها أكثر ..
    كادت عيناها أن تطفر بالدمع لولا أن دق الباب شخص ما فرفعت أسيل رأسها وقالت :
    - لابد أنها أمي ..
    - تفضلي يا سامية ..
    دلفت سامية إلى الغرفة وقالت حين رأت أسيل :
    - يا سلام .. ما هذا المنظر الشاعري .. أسيل بحثت عنك في كل مكان حتى يئست .. ماذا تفعلين هنا ؟؟
    - أتحدث مع عمتي ..
    - ألا تعلمين أنها مشغولة بتحضير الدرس ؟؟
    هتفت غادة :
    - لا تؤنبيها .. تعلمين كم أحب الحديث مع أسيل ..
    - أجل .. أجل .. إنها بلسمك .. أليس هذا ما تقولينه دائما ؟؟
    - سامية .. يبدو أن الغيرة قد أفقدك تعقلك ..
    ضحكت سامية برقة ثم قالت :
    - بالطبع كنت أمزح ..
    ثم قالت بجدية :
    - هل انتهيت ؟؟ هناك جمع غفير ينتظرك في البدروم ..
    - أوه .. أجل .. تقريبا .. سألملم أوراقي وأنزل في الحال ..
    - ما هو عنوان محاضرتك يا عمتي ؟؟
    نظرت غادة إلى أسيل نظرة ذات معنى وقالت :
    - ( شـاب نشــأ في طــــاعة الله )
    قالت سامية :
    - أتمنى لك التوفيق .. هيا يا أسيل أحتاج إليك في الضيافة ..
    - حاضر أمي ..

    وخرجت الاثنتان فخيم السكون على الحجرة .. أمسكت غادة بدفتر مذكراتها وقلبته .. ثم أخرجت مظروفا من أحد الملفات أمامها وأعادته إلى الدفتر .. وهمست :
    - ليتني أستطيع أن أخبرك يا أسيل .. لكنني بالتأكيد لن أفعل .. لقد ظل سر ربيع وعادل لي وحدي .. وسيظل كذلك للأبد .. حتى يحتضنني التراب .. غفر الله لي ..

    شردت ببصرها وشريط حياتها يدور بسرعة عائدا إلى تلك الأيام العصيبة ..
    خمسة عشر عاما مضت .. ولا زالت الأحداث كأنما دارت بالأمس .. ويح هذه الذاكرة .. متى ستنسى ؟؟
    لقد ارتضت لنفسها الحياة دون زواج .. وسخرتها للدعوة إلى الله .. والاهتمام بالجيل الصاعد .. ارتقت درجات العلم درجة درجة .. ووصلت إلى ما لم تكن تتخيل الوصول إليه في غضون سنوات ..
    أغرقت نفسها في بحر الأشغال .. واهتمت بعظائم الأمور لتنسى توافه ذكرياتها .. لتنسي هذا القلب الموجوع حبه .. لتنسيه خيانته وخيانة الآخرين له .. لتنسيه الشعور بالامتنان تجاه شخص بات مجرد طيف .. لتنسيه الرغبة في الاعتذار والمحاولة من جديد ..
    لقد بذلت كل ما تستطيع لتحقق ذلك .. لكن قلبها المخلص أبى إلا أن يخلص .. فوهبته لربها يقلبه كيف يشاء .. وراحت تدعو كل ليلة في عمق الظلام ( اللهم لا تذل قلبي لغيرك .. ومتعني بحبك وحدك .. واملأ جوانحي به .. اللهم اجعل حبك أحب إلى من الماء البارد على الظمأ ) ..

    لملمت غادة شعث نفسها مع أوراقها .. وألقت نظرة أخيرة مملوءة بالحب والأسى .. على دفترها الأثير.. ثم مضت إلى الأسفل وقد نفضت من رأسها كل الذكريات الأليمة ....... تقريبا ..

    .
    .

    .

  13. #58
    التسجيل
    01-07-2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    64

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    انتهت القصة اتمنى أن تكون

    قد أعجبتكم وأنتظر ردودكم

    ملاحضة:
    هذه القصة منقولة وهي للكاتبتين دونا وتيمة
    في موقع عالم حواء
    .
    .

    .

  14. #59
    التسجيل
    24-01-2004
    الدولة
    قلب الوالدة
    المشاركات
    11,358

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    قصه أكثر من رائعه ألف شكر لك أخي الكريم على نقلك لنا

    السلام عليكم

  15. #60
    التسجيل
    01-07-2005
    المشاركات
    134

    مشاركة: قصة طويلة لكنها رااائعة

    ماشاالله
    يا سلام عليك قصة غرااام
    خلتني افكر باشياء كان لازم افكر فيها من زمان وما انساها
    يعطيك الف الف عافية
    ومشكور على النقل الرائع

صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •