- سمير... حبيبي... سمير...
همست بها الأم في أذن طفلها النائم كالحمل الوديــع...
- أمممممم...
- هيا يا صغيري... كف عن النوم و انهض فأنا و أبيك سنسافر اليوم...
- م.. ماذا ؟..
تلفظ بها سمير بصعوبة و هو يفرك عينيه ليزيل شظايا النوم منهما..
- إنه اجتماع طارئ في العاصمة... و سأحضر لك هدية رائعة من هناك..
قالتها سعاد بمرح و هي تعابث أرنبة أنف طفلها الذي اتسعت ابتسامته لما سمع الكلمة الأخير...
***
محمد رجل أعمال ناجح و زوجته سعاد سكرتيرته الخاصة.. شابان سعيدان و متفاهمان لدرجة لا تطاق..
ذلك النوع من الأزواج اللذين يتبادلون المجاملات على مائدة الطعام عوض اللعنات و السباب و ربما.. الصحون...
ذلك النوع من الأزواج (العشاق) اللذين لا يشعرون بحاجز يمنعهم من التماسك باليد في قارعة الطريق، أمام العيون الحانقة.. عوض الصفع و الركل في قارعة الطريق، أمام العيون المسرورة... ذلك النوع...
رُزقا بطفل منذ ست سنوات، وهو سمير طبعا... طفل في غاية الذكـاء، بحيث يظهر ذلك من تصرفاته التي تفوق سنه بكثيـر...
ربياه أحسن تربية و وفرا له ما لا يتوفر عند جل أصدقائه... لقد فتح عينيه في غرفة جدرانها مغلفة بورق وردي فاتح.. غرفة مليئة بصور شخصيات الكرتون الشهيرة و تتدلى دمى و حيوانات أخرى من كل مكان فيها..
***
- متى ستعودان ؟..
قالها سمير لأمه و هما ينزلان الدرج بهدوء..
- أممم... أعتقد في المساء..
في الأسفل، كان محمد يحمل حقيبة صغيرة و يرتدي بذلته السوداء الأنيقة... ابتسم برقة لما رأى ابنه و حمله بيديه القويتين إلى أعلى.. لوح به هنا و هناك، كما يفعل عادة، ثم أرجعه إلى الأرض، و قال له و هو يربت على كتفه الصغير:
- اسمع يا سميرو... لا تغادر المنزل.. هه... ابق في الداخل و تمتع باللعب في الحاسوب... وإذا شعرت بالجوع، فطعامك في الثلاجة.. اتفقنا..
حرك سمير رأسه إيجابا و ابتسامة واسعة على ثغره...
أردف محمد بعد أن نظر إلى زوجته نظرة ذات معنى:
- سنعود في المساء و سنحضر لك... لا لن أقول..
تمسك سمير برجل أبيه و هو يتباكى و يصر على معرفة المفاجأة التي تنتظره في المساء فارتفعت ضحكات سعاد العذبة في المكان...
تملص منه محمد بهدوء و قال و هو يحرك حاجبيه في سخرية:
- قلت لك لن أقول... ستعرف ذلك بنفسك في المساء...
اكتفى سمير بمط شفتيه في استسلام و موافقة...
انحنى محمد وبهدوء وضع قبلة على جبين الصغير و ما إن اعتدل حتى انحنت سعاد بدورها لترسم بشفتيها قبلة حنان على خده الأملس...
رأى سمير الباب يهم بالانغلاق... ثم انفتح مرة أخرى لتظهر أمه و هي تتجه بسرعة نحوه و حذائها اللامع يصدر قريعا محببا فوق الأرضية...
- شيء أخير يا حبيبي... إياك الاقتراب من المسبح، اتفقنا... حتى لو سقط به (بوبي) فهو يعرف السباحة... أوكي..
- أوكي مامي...
و قبلة أخيرة على الجبين ثم ينغلق الباب أخيرا...
***
في فيلا فاخرة لا تبعد كثيرا عن الشاطئ كانوا يقيمون... أربعة طوابق شامخة وسط رقعة خضراء شاسعة، تحيا بها شتى أنواع الأزهار و النباتات، و تتخللها تفرعات كثيرة تؤدي إلى حوض فسيح على شكل دلفين ضخم... و حول كل هذا انتصبت أشجار باسقة و كأنما تحرس هذه الجنة من كل ريح شريرة أو عاصفة فاسقة...
***
- أوووييي... أخيرا، المنزل لي وحدي، سأفعل ما أشاء..
هتف بها سمير و هو يصعد ملتهما درجات السلم الرخامي و قد زالت عنه كل آثار النوم...
- ترى ماذا أفعل الآن ؟... الألعاب الالكترونية... لا.. ليس بهذه السرعة، خصوصا و أن بطني فارغ...
عبر بخطى سريعة أروقة الطابق الأول متجها نحو المطبخ الحبيب، ثم الثلاجة العزيزة...
فتحها بسرعة، لتتألق عيناه سرورا و هو يرى ما بجوفها... حمل زجاجة الشيكولاته و قنينة الصودا... و اعتلا كرسيا ليصل إلى أعلى الرف، حيث رقائق البسكويت التي يهيم بها حبا...
جلس وقتا لا بأس به يلتهم ما حضره لنفسه، مستمتعا برؤية عصفوره الأصفر في قفصه، و الذي يبدو عليه النشاط بدوره و هو يُصدر أعذب الأصوات...
توجه مرة أخرى إلى الثلاجة، يعيد ما أخرجه منها، و يخرج كيسا ضخما... هو في الغالب طعام كلب...
- بوبيـي.... بوبييييييييي.... هيا أيها الأحمق، إنه موعد فطورك..
-..........
- بوبييييييي.... لا تلعب دور المختفي مرة أخرى...
-.........
- بوببيييييي... تعال إلى هنا.. لقد بدأت تغضبني حقا...
-........
- و لكن ما باله لا يجيب ؟......
قالها سمير واضعا الكيس على المائدة، و قد بدأ يظهر التوتر على محياه...
هم بمغادرة المطبخ لما رن الهاتف فجأة، لترتعد أطرافه...
حمل السماعة بسرعة...
- آآآلو... من ؟...
- ........
- من معي ؟...
-........
- آآآآلوو....
أقفل الخط ساخطا و مط شفتيه في عدم فهم...
- لماذا لا يجيبني أحد هذا الصباح ؟...
قالها و توجه نحو الطابق الثاني، حيث الحاسوب...
***
- شيء أخير يا حبيبي... إياك الاقتراب من المسبح، اتفقنا... حتى لو سقط به (بوبي) فهو يعرف السباحة... أوكي..
***