(بسم الله الرحمن الرحيم)
عندما نرى الفقاعات, في كأس من المشروبات الغازية,لا يخطر على عقولنا أن مثل هذه الفقاعات يمكن أن تصبح
سلاحاً يحمل الموت ، عندما توجد في الوسط المناسب وبكميات كبيرة سوف أستعرض في هذا المقال آثار هذه
الظاهرة الغريبة وتفسيراتها,ولقد قمت باختيار هذا الموضوع كونه حاوي على بعض المواضيع التي تطرقنا لها
في دراستنا لمادة الفيزياء ( مبدأ برنولي و الأمواج الصوتية).
في مارس من عام 1994, اجتمع ضباط من الاسطول البريطاني الى مصممي أحدث طوربيد بحري، يحمل اسم
HMS Daring , وهما السير جون اسحاق ثورنيكروفت, وسيدني دبليو بارنابي، وذلك لاختبار الطوربيد ووضعه
في الخدمة. تم تزويد الطوربيد بمحرك ضخم ذي دافعة مروحية عالية الجودة .
ولكن لسوء الحظ, عندما تجاوزت سرعو الطوربي27عقدة بدأ محرك الدافعة المروحية يهتز بشدة وتظهر بقرب
ريش الدافعة المروحية، فقاعات غريبة مجهولة الهوية. اضافة الى هذا فقد تأكل جذع محور الدوران الدافع بسرعة
هائلة على الرغم من أنه مصنوع من أفضل المواد!؟..
استعان كل من المصممين بفيزيائي بريطاني يدعى (جون وليام ستروت) لحل هذه المعضلة الغريبة.ولم يبخل هذا
الأخير بالمساعدة ودرس الموضوع بالتفصيل وتوصل بالتعاون مع بليست ال أشهر علاقة في علم تحريك الفقاعات
ودرس الصوت الصادر عن الفقاعة ,(sound of the bubble emitted) واستطاع بعد ذلك تفسير هذه المعضلة بكل
بساطة. فقد بين أنه بقرب برغي تثبيت ريش المروحة يغلي الماء.والفقاعات التي تمت ملاحظتها، ما هي الا فقاعات
من بخار الماء المتشكل من غليان ..هذه الظاهرة تسمى اليوم بالتجوف(cavitation).
ان درجة حرارة ماء البحر,الجزر البريطانية لاتتجاوز، في أحسن الأحوال الجوية عشر درجات مئوية.كيف يمكن
اذاً تصديق أن الماء يغلي في هذه الظروف الجوية.
من المعلوم أن درجة الحرارة التي يغلي فيها الماء تتناقص بتناقص الضغط وقد أثبتت التجارب أنه مهما حولنا
مثلاً أن نطبخ مواد غذائية على ارتفاعات تتجاوز3000متر في جبال الالب ، فان هذه المحاولات ستبوء بالفشل
بسبب انخفاض الضغط.
اذاً هل فعلاً يتناقص الضغط بقرب البراغي المراوح الدافعةالى قيمة أصغر من القيمة الحرجة للضغط؟..
و اذا كان ذلك صحيحاً فمن أين يأتي ذاك التناقص في الضغط؟..الجواب يكمن في مبدأ برنولي الذي ينص على أنه
عند زيادة سرعة السائل فان ضغطه يزداد فعلى سبيل المثال في محيط ريش المروحة الدافعة للطوربيد المتحرك
بسرعة كبيرة تتناقص قيمة الضغط,اذ يرافق ازدياد السرعة تناقص في الضغط مسبباً تشكل فقاعات جوفية ثم بعد ذلك
تنفصل الفقاعات المتشكلة من خلال الماء عن الريش الى منطقة أخرى يتحرك فيها الماء بشكل بطيء يكون فيها الضغط مرتفعاً. وهنا تحصل عملية عكسية ،،اذ أن ازدياد الضغط يؤدي الى تناقص قطر الفقاعة وهذه العملية
تحدث بشكل سريع جداً، ولكن المهم في هذا الأمر أنه كلما كانت سرعة هذه العملية أكبر كان قطر الفقاعة أصغر.
بقيت لدينا مسألة مهمة وهي:مسألة الانفجار نحو الداخل (Implosion) اذ ان هذا الانفجار يحصل في وقت قصير
جداً وتتحرر في الوقت ذاته طاقة كبير جداً، وفي هذه الحقبة القصيرة ,تزداد درجة الحرارةالى آلاف من الدرجات المئوية ، لذلك لا يستغرب أن تتأكل ريش مروحة الدفع التي تصطدم بها هذه الفقاعات.
وعلى عكس الاعتقاد السائد أن الأعماق البحرية أماكن هادئة ، الا أن هذه الأعماق هي مسرح لأصوات مستمرة
منها ما هو طبيعي (الحيتان و الدلافين والمطر) , وما هو بشري (غواصات و طرابيد وسفن)..
و الجدير بالذكر أن تتبع أصوات الغواصات والسفن بواسطة الأجهزة اللاقطة للصوت و مكبرات الصوت ليس
صعباً الا اذا كانت تغوص في أعماق قليلة ، حيث تعيش حيوانات قشرية من نوع أليفوس(Alpheus), اذ ان أصوات
هذه الحيوانات تعلو على جميع الأصوات الناتجة من الحيوانات الأخرى و على ضجيج الناتج عن آلات السفن
والغواصات..قفد قيست شدة صوت هذا النوع من الحيوانا على مسافة متر واحد فكانت النتيجة لافتة للنظر..
210ديسبل علماً أن شدة صوت المحرك النفاث في الصاروخ هي 180 ديسبل!!!.
الدكتورة بارباراشميدت- بيولوجية تعمل في الجامعة التقنية بميونيخ- صورت عام 2001م حركة أرجل الأمامية لهذا
الحيوان القشري وبعد أن حللت الصور الناتجة ، لاحظت وجود فقاعات غازية خارجة من بين ملقطي الذراع اللاقط
في أثناء انضغاطهما , وهذه هي الصور:
1-
2-
ثم أرسلت هذه الصور الى البروفيسور ديتلف لوهس - رئيس قسم فيزياء السوائل في جامعة توينتي- وبعد دراسات وملاحظات تخص بعض المسائل الغامضة المطروحة .كانت النتيجة مفاجأة له ، اذ لاحظ أن الحيوان القشري
عندما يغلق ملقطي ذراعه اللاقط فأن هناك فقاعة طولانية من بخار الماء تخرج من بينهما وفي أجزاء من الثانية
تزداد هذه الفقاعة ، وبعد ذلك تختفي نتيجة انفجار داخلي مفاجىء تاركاً وراءه سحابة من الفقاعات الميكروية.
كيف يحدث ذلك؟
عندما يخرج الماء من بين ملقطي الذراع اللاقط بسرعة هائلة ، فان الضغط يتناقص ويسبب تشكل فقاعة تجوفية
يرافقها ضجيج ينتج لحظة تلامس ملقطي الذراع اللاقط ببعضهما ,، وهو لا شيء مقارنة بصوت الانفجار الداخلي الذي يحصل بعد لحظة من انضغاط الملقطين. ان صوت الانفجار الداخلي هو من القوة جداً الى درجة أنه يقتل جميع الحيوانات البحرية القريبة منه والتي يتغذى بها. لاحظ البروفيسور لوهس أن أحد الملقطين في جيب يطابق شكله ومكان السن البارزمن الملقط الاخر,,وفي أثناء انغلاق الملقطين يدخل هذا السن الى الجيب فيدفع منه الماء،وتصل سرعة تدفق الماء الخارج من الجيب الى نحو 25 متر في الثانية ، وهي سرعة كافية لحدوث التجوف.ان تناقص الضغط المسبب للتجوف يمكن أن يحدث بعدة طرق فعلى سبيل المثال: اذا أمررنا أمواجاً فوق صوتية في السائل ن فان الانفجار الداخلي للفقاعات التجوفية المتشكلة في هذه الشروط، سريعة جداً ولا تسبب أمواج صدمية ولا ارتفاع مفاجىء لدرجة الحرارة
فقط انما تسبب أيضاً وميضاً ضوئياً وتسمى هذه الظاهرة التألق الصوتي وهو تألق كيماوي يتشكل في أثناء التفاعل مصدراً أمواج فوق صوتية.
ان الفقاعات الناتجة من هذا الحيوان قادرة عاة احداث هذه الظاهرة وان الوميض الضوئي ضعيف وقصير جداً.. يستمر نحو10نانو ثانية.
لغز البحيرة:
في ما يلي مثال آخر يبين أن هذه الفقاعات الحاملة الموت ،ليست سوى ظاهرة فيزيائية وكيميائية تحدث في الطبيعة تلقائياً و تطلق غاز ثاني أكسيد الكربون السام. عندما نمسك بيدنا كأساً من المياه الغازية وننظر الى مجموعة من الفقاعات التي تحتوي على ثاني اكسيد الكربون ، والتي ترتفع من أدنى الكأس الى الاعلى ، فاننا نسمع أصواتها عندما
تصل الى الأعلى السطح وتنفجر ونحس برذاذها عاى وجوهنا،ومن الصعب أن نصدق كيف يمكن ان تكونهذه الفقاعات حاملات الموت .ومع ذلك فان الكارثة التي حدثت في بحيرة نيوس في الكاميرون ما هي الا مثال على هذه الظاهرة، فالحادثة المشار اليها وقعت في ليلة 21آب من عام 1986م حين أثارتهاهزة غير معروفة المنشأ في البحيرة الموجودة على فوهة بركان، التي كانت تحتوي على ثاني أكسيد الكربون المنحل في الماء، وتسببت هذه الهزة بتشكل فقاعات ضخمة في الماء،حوت في داخلها ذاك الغاز،هذه الفقاعات الضخمة أخف من السائل المحيط بها لذلك ارتفعت نحو الأعلى الى سطح البحيرة وأطلقت غاز ثاني أوكسيد الكربون في الهواء. وبما أن هذا الغاز أثقل من الهواء ، فانه بقي بالقرب من سطح الأرض وتدفق على جانب الجبل كالنهر وشكل سحابة من الغاز المميت ضمن دائرة قطرها 25 كيلو مترمن محيط البحيرة، أحاطت بسكان الريف القاطنين حولها . لقد قتلت هذه السحابة كل شيء حي ..1700شخص
وقطعان حيوانات كثيرة..أما تفسير الكارثة فهو أن المستويات المنخفضة في البحيرة مشبعة بغاز ثاني أوكسيد الكربون
،نتيجة وجود ينابيع غتزية تحت البركان الخامد، ويعتقد أن الأمطار الغزيرة التي هطلت في ذلك اليوم حلت ملح الماء
الغني بثاني أوكسيد الكربون في الأعماق ،محررة الفقاعات الضخمة من هذا الغاز من عمق البحيرة .وهذه الظاهرة تسمى اليوم (انقلاب البحيرة).
