السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا شَكّ أنَّ مسألة التصوير والصُّوَر مما ابْتُلِي بها كثير مِن الناس ، بل وقد تَهاوَن فيها كثير مِن الناس ، وهي مسألة عظيمة ، فإنَّ أصل أوّل شِرْك في الأرض كان بسبب الصُوَر ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما عن ( وُدّ وسِواع ويَغوث ويَعُوق ونسْر ) قال : أسْمَاء رِجَال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هَلك أولئك وتُنسّخ العِلْم عُبِدَت . رواه البخاري .
وقال محمد بن قيس : ( يَغُوث وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ) قال : كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم أتْبَاع يَقْتَدون بهم ، فلمَّا مَاتُوا قال أصحابهم الذين كانوا يَقْتَدون بهم : لو صَوَّرناهم كان أشْوَق لنا إلى العبادة إذا ذَكرناهم . فَصَوَّروهم ، فلما مَاتُوا وجَاء آخَرون دَبّ إليهم إبليس ، فقال : إنما كانوا يَعْبُدونهم وبهم يُسْقَون الْمَطَر ، فَعَبَدُوهم .
وصُوَر ذوات الأرواح عُموما دَاخِلة في الأحَاديث الصحيحة التي جاء فيها التشديد على التصوير وذَمّ الصُّوَر والْمُصوِّرين ، وأنه يُؤتى به يوم القيامة فيُؤمَر أن ينفخ الرُّوح بكل صورة صوّرها ، وهذا من باب التعجيز .
والنصوص قد جاءت بِذَمّ الصُّور والتصاوير والمصوِّرين ، ولفظ الصُّوَر يشمل الجميع ، فيشمل التصوير والرسم باليد ، ويشمل حبس الظِّلّ ، ويَشْمَل صناعة التماثيل من باب أولى .
وقد جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : يا أبا عباس إني إنسان إنما مَعِيشتي مِن صَنعة يَدي ، وإني أصنع هذه الـتَّصَاوِير ، فقال ابن عباس : لا أحدثك إلاَّ مَا سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، سَمِعْتُه يقول : مَنْ صَوّر صُورة فإن الله مُعَذِّبه حتى يَنْفُخَ فِيها الرُّوح ، وليس بنافخ فيها أبدا . فَرَبَـا الرجل رَبْوَة شديدة ، واصْفرّ وَجْهه . فقال : ويَحْك إن أَبَيْتَ إلاَّ أن تَصنع فعليك بهذا الشَّجر ، كل شيء ليس فيه روح . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن دقيق العيد : وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصْوِيرِ وَالصُّوَرِ . اهـ .
وقال : وَرَدَ فِي الأَحَادِيثِ : الإِخْبَارُ عَنْ أَمْرِ الآخِرَةِ بِعَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ . وَأَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ " أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " . اهـ .
ولن يُسأل الإنْسان يَوم القيامة : لِم لَمْ تُصوِّر ؟
ولكنه سَوف يُسْأل : لِمَ صَوَّرْت ؟ ويُحَاسَب عمَّا صَوَّرَه مِن ذوات الأرواح ، إلاَّ مَا اضْطُرَّ إليه.
والتصوير سواء كان بواسِطة آلة تصوير أو كان باليد فهو تصوير ، والجميع يتّفِقُون على أنها صُورَة !
ولا يُخْرِجها مِن عُموم الأحَادِيث ولا مِن شِدَّة الوَعِيد إلاَّ نَصّ قاطِع ، وليس في المسألة نَصّ قاطِع يُخرِج بعض صُوَر ذوات الأرْوَاح عن بعض .
ويشتَدّ الأمر إذا كان ذلك بِنِشْر صُوَر فاتِنة ، أو شِبْه عَارِيَة ؛ فإنَّ فاعِل ذلك آثِم مِن ثلاث جِهَات :
الأولى : مِن جِهَة نشْر صُوَر ذوات الأرواح .
والثانية : مِن جِهة نَشْر الصُّوَر الفاتِنَة .
والثالثة : مِن جِهة إشاعة الفاحشة بين الناس .
فكُلّ مَن نَظَر إلى تلك الصُّوَر فإنه آثِم ، ومَن نَشَرها فهو آثِم ، ولا ينقص مِن آثام ناشرها شيئا !
وقد دَلّ على هذا قوله سبحانه وتعالى : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) . النحل 25
وقوله عليه الصلاة والسلام : مَن دَعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومَن دَعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام مِن تَبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا . رواه مسلم .
وأما إشاعة الفاحشة في المؤمنين ، فقد جاء في حقّ صاحبها الوعيد الشديد ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ) .النور 19
وعلى المسلم أن يَحتاط لِنفسه ولِدِينه ، فإن السلامة لا يَعْدِلها شيء .
وكما قلت : لن يُسأل الإنْسان يَوم القيامة : لِم لَمْ تُصوِّر ؟
والله تعالى أعلم .
منقول