بعد الحديث عن تعريف الذكاء العاطفي والمرتكزات الأربعة التي تمكننا من إدارة مشاعرنا بشكل فعال , نأتي إلى الحديث في هذا المقال عن أهمية الذكاء العاطفي والتي تتمثل في الصلة بين أحاسيسنا وشخصيتنا واستعداداتنا الأخلاقية والفطرية، فإن المواقف الأخلاقية الأساسية في حياتنا تنبع من قدراتنا الانفعالية الأساسية على التأقلم مع هذه المشاعر.
نظرية المناعة النفسية العصبية:
ما هي نسبة الأشخاص الذين يستطيعون بالفعل التغلب على مشاكلهم وهمومهم الحياتية والعودة إلى حياتهم الطبيعية بالحيوية والنشاط المطلوبين؟ هؤلاء الأشخاص الذين يتمتعون بمثل هذه الميزة يوصفون بأنهم أصحاب مرونة نفسية عالية ويكتسبون هذه المرونة من خلال قدرتهم على التعامل مع المواقف العصيبة والأزمات وتجاوزها بنجاح.
ويتم اكتساب هذه المرونة عن طريق رفع الكفاءة النفسية وذلك من خلال رفد العواطف بالقوة الداعمة وهذا المجال الجديد يسمى بنظرية المناعة النفسية العصبية Psycho Neuroimmunology وتقوم الفكرة الأساسية لهذه النظرية في مقدرة العقل على إنتاج العناصر الكيميائية التي تحمي الجسم من الأمراض كما أنه يستطيع التحكم بالعصارات الهضمية العصبية ومستقبلاتها الحسية والتي تتواجد في أجزاء المخ المرتبطة بالعواطف ويتم إرسالها بواسطة العقل إلى الجسم، حتى تخبره بالطريقة التي يستجيب بها.
التطبع أقوى من الطبع:
من الأمثلة العربية القديمة (الطبع غلب التطبع) لكن إذا بقي هذا الطبع متحكماً في الأعصاب ومستنزفاً للطاقات العاطفية فهل نسلّم الأمر له ليبقى قدراً محتوماً ومزعجاً لنا طيلة الحياة, أم يجب علينا أن نتعلم أسلوباً آخراً لنتغلب على هذا الوضع؟!
معظم الناس تتشكل المعالم الأساسية لشخصيتهم عند بلوغ السادسة إلا أن التجارب والأبحاث أثبتت بأن للجهد البشري دور هام في تشذيب وتغيير بعض المعالم الشخصية، فكم من الأشخاص استطاع تغيير نظرته في الحياة أو نظرته إلى العالم وحتى نظرته إلى عقيدته ليعود إلى رشده وصوابه ..وليرفع عالياً الشعار القائل "باستطاعتك التغيير إلى الأفضل فلا تحجّم نفسك في قالب الطبع!.."
تطور الذكاء العاطفي خلال مراحل العمر:
بعد إجراء اختبارات الذكاء العاطفي على (3831) شخص, أظهرت النتائج أن الذكاء العاطفي لهؤلاء الأشخاص يزداد بشكل واضح مع تقدم العمر، ويصل إلى ذروته مع نهايات الأربعين وبدايات الخمسين سنة بينما يصل الذكاء العادي المعرفي إلى ذروته مع نهاية مرحلة المراهقة، ويبقى ثابتاً مع نهايات الخمسين، بالإضافة إلى أن الذكاء المعرفي يميل للانخفاض قليلاً بعد هذا العمر، على عكس الذكاء العاطفي الذي يتجدد ويتطور مع تقدمنا في العمر.
مدارس عاطفية ذكية:
وباعتبار أن اكتساب المهارات العاطفية يسهل في مرحلة الطفولة بدأت إحدى المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم دروس عن علم أطلق عليه اسم (علوم الذات) ,و تعد المشاعر هي الموضوع الأول والأهم في علوم الذات وهي المحور الأساسي في العلاقات بين الناس.
ويتم لتركيز في مثل هذه الدورات النموذجية على البناء العاطفي للطفل هادفة من ذلك رفع مستوى الكفاءة الاجتماعية والعاطفية لدى الأطفال كجزء من التعليم النظامي، ومثل هذه المهارات التي تتكرر لدى الأطفال تصبح خبرات يعكسها المخ كمسارات قوية وعادات عصبية، يستعملها أوقات التهديد والإحباط والإهانة، ومثل هذه المواد ستولد مناعة نفسية عصبية داخلية ..تماماً كما اللقاح الذي نحصن به أطفالنا من أي مرض.
يتبع